ثم نفى سبحانه وتعالى أن يكون المسلمون قتلوا المشركين يوم بدر خاصة فقال عزّ من قائل :
١٧ ـ (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ ...) فقد نفى القتل عن المسلمين مع أنه كان يرى أنهم هم الذين فعلوه بحسب الظاهر ، ونسبه إلى نفسه جلّ وعلا وليس بفعل له لأن أفعاله سبحانه كانت كالسبب المؤدّي لفعل المسلمين إذ أقدرهم عليه وأعانهم وشجّعهم وألقى الرعب في قلوب أعدائهم. وقد قال لنبيّه (ص) : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) فقد ذكر ابن عباس وغيره أن جبرائيل عليهالسلام قال للنبيّ صلىاللهعليهوآله : خذ قبضة من تراب فارمهم بها. فقال رسول الله (ص) لمّا التقى الجمعان لعليّ : أعطني قبضة من حصى الوادي ، فناوله كفّا من حصى عليه تراب ، فرمى به في وجوه القوم وقال : شاهت الوجوه ، فلم يبق مشرك إلا دخل في عينه وفمه ومنخريه منها شيء ، ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم. وكان هذا العمل سبب هزيمة المشركين. فقد أضاف الله تعالى الرمي إلى نفسه لأنه لا يقدر غيره على مثله إذ هو من أعظم المعاجز (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) أي لينعم بذلك على المؤمنين نعمة حسنة. والضمير في : منه ، عائد إلى النصر الذي حقّقه ، ويمكن إرجاعه إليه تعالى (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي سميع لدعائكم وغيره ، وعالم بأفعالكم.
وقد قال عن النعمة بلاء ، كما يقال عن المضرّة بلاء ، لأن أصل البلاء ما يظهر به الصبر والشّكر المؤدّي إلى الأجر سواء أكان صبرا على الضّر ، أم شكرا على النعم.
١٨ ـ (ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) : ذلكم موضعه رفع ، وكذلك : أنّ الله ، في موضع رفع. والتقدير : الأمر ذلكم ، والأمر أن الله موهن. وهذه إشارة إلى بلاء المؤمنين الذي ذكره في الآية الشريفة السابقة. والحاصل أن الأمر ذلك الأنعام الذي مننت به عليكم (وَأَنَّ اللهَ