عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥))
٣٠ ـ (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) أي اذكر يا محمد إذ يستعمل الكفار معك المكر الذي هو الميل إلى الشر خفية يضمره الماكر لخصمه. فاذكر احتيالهم في إبطال أمرك وتدبير المكائد لإهلاكك ، كأبي جهل وأبي البختري وابن الأسود وابن حزام وابن خلف وغيرهم ، يفعلون ذلك (لِيُثْبِتُوكَ) أي ليربطوك بالوثاق ويقيّدوك أو ليحبسوك (أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) من مكة إلى أطراف البلاد (وَيَمْكُرُونَ) هذا المكر (وَيَمْكُرُ اللهُ) أي يدبّر جزاء عملهم السيّء معك. فهم يحتالون في أمرك خفية عنك ، والله سبحانه يجازيهم على مكرهم من حيث لا يشعرون (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) لأن مكره حقّ يأتي جزاء على مكر باطل إذا لا يكون إلا إنزال عقوبة بمن يستحقّها. ومكره عزّ اسمه عدل كلّه ولذلك كان خير الماكرين.
وقال المفسرون إنها نزلت في قصة دار الندوة حيث اجتمع نفر من قريش وتآمروا على النبيّ صلىاللهعليهوآله فقال عروة بن هشام : نتربّص به ريب المنون ، وقال أبو البختري : أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه ، وقال أبو جهل : ما هذا برأي ولكن اقتلوه بأن يجتمع عليه من كل بطن رجل فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد فيرضى حينئذ بنو هاشم بالدّية. فصوّب إبليس هذا الرأي إذ كان قد جاءهم في صورة شيخ كبير من أهل نجد وخطّأ الأولين ، فاتّفقوا على هذا الرأي وأعدّوا الرجال والسلاح. وجاء جبرائيل عليهالسلام فأخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله فخرج إلى الغار وأمر عليّا عليهالسلام فبات على فراشه. فلمّا أصبحوا وحصبوا النائم في الفراش وجدوا عليّا (ع) ينام مكان النبيّ (ص) وقصة المبيت والغار واقتصاصهم أثر النبي (ص) ونسج العنكبوت كلها مشهورة معروفة.