(غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) يعني أن المسلمين اغترّوا بقول رسولهم الذي أتى بهم ـ على قلّتهم ـ لحرب المشركين ـ على كثرتهم ـ فبيّن الله تعالى أنهم هم المغرورون (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي يفوض أمره إليه ويرض بفعله (فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) قويّ لا يغلب ، ويضع الأمور في مواضعها بتمام الحكمة.
٥٠ ـ (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ ...) أي : يا ليتك يا محمد تنظر الملائكة وهم يقبضون أرواح الكفار عند الموت ، فإنهم (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) أي يضربون وجوههم وأقفيتهم ، أي ما أقبل منهم وما أدبر يتلقّونه بالضرب من قدّام ومن الخلف. وجواب : لو ، محذوف هنا ، وتقديره : لرأيت أمرا عجبا. وفي حذفه بلاغة من بلاغات القرآن الكريم لا تخفى على اللبيب. وقيل عنى سبحانه بها قتلى بدر من المشركين فإن رجلا قال : يا رسول الله اني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك. فقال صلىاللهعليهوآله : ذاك ضرب الملائكة. وعن مجاهد ـ كما في المجمع ـ أن رجلا قال للنبيّ (ص) : إني حملت على رجل من المشركين فذهبت لأضربه فندر ـ أي فسقط قبل أن يضربه ـ فقال (ص) : سبقك إليه الملائكة. ويصدق هذا الوصف لوفاة جميع الذين كفروا بحسب ظاهر الآية الشريفة فإن الملائكة يضربونهم حين الوفاة (وَ) يقولون لهم : (ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) أي عذاب النار في الآخرة بعد هذا العذاب عند قبض أرواحكم.
٥١ ـ (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ...) أي ذلك الضرب والعقاب حين الموت وفي الآخرة ، صرتم مستحقّين له (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) بما فعلتم باختياركم وبمباشرة أيديكم لكل فعل سيّء. وقد ذكر الأيدي لأن أكثر الأعمال تباشر فيها ، والذي قدّمته أيديهم هو الكفر والعصيان (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) يعاقبهم بجناياتهم ، ويعذّبهم بذنوبهم ، ويقاصصهم على قدر استحقاقهم فلا يظلمهم البتة ، بل لقد بالغ في نفي الظلم عن نفسه باستعمال عبارة : ليس بظلّام. وفي هذه الآية الكريمة دليل واضح