والمعنى : أن الله سبحانه لمّا علم أن الأمر يشقّ عليكم ، خفّف عنكم الحكم في الجهاد من وجوب ثبات الواحد للعشرة من الكفار (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) في العزيمة الطبيعية الإنسانية ، وفي ضعف التبصّر أيضا ، لأنه بعد أن كثر المسلمون اختلط بهم من كان أضعف من المسلمين الأوائل يقينا وبصيرة وقوة بدنية ، فخفّف عنهم مسئولية الثبات : (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ) على الجهاد والقتال (يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) من أعدائهم (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ) صابرون (يَغْلِبُوا) من الأعداء (أَلْفَيْنِ ، بِإِذْنِ اللهِ) أي بأمره وعلمه. وهذا أمر منه سبحانه بأن يثبت المسلم الواحد لاثنين من الكافرين ، الله تعالى يضمن له النصر عليهما (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) أي أن معونة الله مرصودة للصابرين : الثابتين في ساعة العسرة والجهاد.
وقيل إن هذه الآية الكريمة ناسخة للآية السابقة. والتغليظ في الأولى كان على أهل بدر خاصة ، ثم جاءت الرخصة بعدها.
* * *
(ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩))
٦٧ ـ (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى ...) ما : للنفي ، أي ليس لأيّ نبيّ حقّ ، ولا عهد الله إليه أن يتخذ أسرى من أعدائه ـ والأسر وقوع المحارب في قبضة آخذه. وهو لغة الشدّ ، إذ كانوا يشدّون الأسير بالحبال ـ فما لنبيّ أن يتخذ أسرى من محاربيه المشركين ليعذبهم