أما القصة التي حكتها هذه الآية الكريمة فقد ذكر أصحاب السير وأهل التفسير أن النبيّ (ص) بعد فتح مكة توجه إلى حنين لقتال ثقيف وهوازن في أواخر شهر رمضان أو في شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة. وكان قد اجتمع رؤساء هوازن إلى مالك بن عوف النصري ومعهم أموالهم ونساؤهم وذراريهم ، ونزلوا بأوطاس ـ وهو واد بديار هوازن جنوبي مكة ـ وكان فيهم الشاعر دريد بن الصمّة ، وهو رئيس جشم ،! وقد شاخ وذهب بصره ، فسأل عن اسم المكان الذي نزلوا فيه فقالوا : هو أوطاس ، قال : نعم مجال الخيل ، لا حزن ضرس ولا سهل دهس ـ أي : ليّن ـ ولكن مالي أسمع الرّغاء والنهيق والخوار والثغاء وبكاء الصبيان؟ فقيل له : قد ساق الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم ليقاتلوا دونهم. فقال : راعي ضأن وربّ الكعبة ـ أي أن صاحب هذا الرأي ليس بذي رأي حصيف ـ ائتوني بمالك .. ولما جاءه قال له : قد أصبحت رئيس قومك ، وهذا يوم له ما بعده. ردّ قومك إلى بلادهم واحمل بالقوم على متون الخيل فإنه لا ينفع إلّا الفرسان والسيوف فإن ربحت لحق بك الناس ، وإن كانت عليك الواقعة لم تفضح الأهل والعيال .. فقال له مالك : قد كبرت وخرفت وذهب علمك وعقلك.
أمّا رسول الله صلىاللهعليهوآله فكان قد عقد لواءه الكريم لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، ثم أمر كلّ من دخل مكة براية أن يحملها ، وخرج بعد إقامته بمكة بخمسة عشر يوما ، وكان قد استعار مائة درع من صفوان بن أمية ، وكان معه ألفا رجل من مسلمي الفتح ، فخرج من مكة باثني عشر ألفا بعد أن كان دخلها بعشرة آلاف ، ولاقى مالكا بن عوف وهو يأمر قومه بجعل الأهل والمال والذراري وراء الظهور ، وبكسر جفون السيوف والكمين في شعاب تلك الوادي وبين أشجارها حتى إذا كان غبش الصبح حملوا على محمد (ص) وأتباعه حملة الرجل الواحد فإنه لم يلق أحدا يعرف الحرب قبل ذلك.
ولما كان الصبح صلّى رسول الله (ص) بأصحابه وانحدر معهم في