آفاقها في وجوهكم وأنتم تولّون الأدبار (بِما رَحُبَتْ) أي رغم رحبها. والباء في (بِما) هنا بمعنى : مع ، أي مع رحبها ، فلم تجدوا مكانا تفرّون إليه (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ) هربتم (مُدْبِرِينَ) أي ولّيتم أدباركم للعدو حين انهزمتم هاربين من المعركة .. (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) رحمته التي تسكّن النفوس وتزيل الخوف ورهبة القتال. أنزلها سبحانه (عَلى رَسُولِهِ) صلىاللهعليهوآله (وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) حين رجعوا إلى الأعداء وقاتلوهم ، وقيل على المؤمنين الذين ثبتوا مع النبيّ (ص) وهم عليّ عليهالسلام والعباس ونفر من بني هاشم. وعن الإمام الرضا عليهالسلام كما في العياشي : السكينة ريح من الجنّة تخرج طيبة لها صورة وجه الإنسان فتكون مع الأنبياء (وَأَنْزَلَ) الله سبحانه (جُنُوداً) من الملائكة (لَمْ تَرَوْها) لم تشاهدوها لأنها أجسام نورانيّة وليست من سنخكم ، نزلت لتقوية قلوب المؤمنين الثابتين ولتشجيعهم. والملائكة الذين نزلوا يوم حنين لم يقاتلوا فيه بل في بدر خاصة كما عن الجبائي (وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالقتل والأسر وسلب الأموال (وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) أي أن العذاب جزاء الكافرين على كفرهم (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ) أي يعفو (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) الذي حصل (عَلى مَنْ يَشاءُ) يريد. ولا يخفى على اللبيب أنه سبحانه ذكر (ثُمَ) في ثلاثة مواضع متقاربة من الآية ، أولها : ثم وليتم مدبرين. وثانيها : ثم أنزل سكينته ، والثالث : ثم يتوب الله. وفي العطف الثالث حسن عطف المستقبل على الماضي لأنه يشاكله. ففي المعطوف عليه الذي هو جملة (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) تذكير بنعمته سبحانه ، وفي المعطوف الذي هو جملة (ثُمَّ يَتُوبُ) وعد بنعمة ثانية وهو أن يقبل توبة من تاب عن الشّرك ورجع إلى حظيرة الطاعة والإسلام وندم على ما فعل من القبيح. ويجوز أن يكون عزّ اسمه قد عنى أنه يقبل توبة من تاب ممّن انهزموا من حول الرّسول يوم حنين وعلّق قبول التوبة على مشيئته كما أن الثواب يتعلّق على الطاعة بالمشيئة أيضا ، ذلك أنّ منهم من كان له منه لطف يصلح به ، ويتوب ويؤمن ، ومنهم من لا لطف له منه جلّ وعلا (وَاللهُ غَفُورٌ) متجاوز عن الذنوب (رَحِيمٌ) بمخلوقاته.