ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٧))
٢٥ ـ (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ...) الخطاب للمؤمنين منه سبحانه يبيّن لهم فيه أنه ـ بعد أن أمرهم بالقتال في الآيات السابقة ـ قد نصرهم في مواطن كثيرة. والموطن الموضع الذي يقيم فيه صاحبه. ومواطن اسم لا ينصرف لأنه جمع ليس على مثال الآحاد. واللام في : لقد ، لام القسم ، فكأنه تعالى أقسم بأنه نصرهم على أعدائهم وأعانهم عليهم في كثير من المواضع رغم ضعفهم وقلّة عددهم وعددهم ، ليبعثهم على طاعته ولو قضت طاعته بترك الأهل والأقربين. وفي المجمع عن الصادقين عليهمالسلام أنهم قالوا : كانت المواطن ثمانين موطنا فلفظة (كَثِيرَةٍ) تعني هذا المقدار ، فقد روي أن المتوكل مرض مرضا شديدا ونذر أن يتصدّق بمال كثير إن شفاه الله ، فلما أبلّ سأل الفقهاء عن حدّ المال الكثير فاختلفوا فيه ، فأشار إليه المقرّبون أن يسأل أبا الحسن عليّ بن محمد الهادي عليهالسلام وقد كان حبسه في داره وحجّر عليه ، فكتب إليه فأجاب بأن يتصدّق بثمانين درهما. ولمّا سألوه عن العلّة في ذلك قرأ الآية الشريفة وقال : عددنا تلك المواطن التي نصر الله تعالى فيها المسلمين فبلغت ثمانين موطنا. (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) أي : في يوم وقعة حنين (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) أي تهتم بها عجبا وسرّتكم وقال قتادة : كان من أسباب انهزام المسلمين يوم حنين أن بعضهم قال حين رأى كثرة المسلمين : لن نغلب اليوم من قلّة ، فكان أن انهزموا بعد ساعة رغم أنهم كانوا اثني عشر ألفا (فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ) الكثرة (شَيْئاً) أي لم تدفع عنكم سوء الهزيمة (وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ) أي انسدّت