الكفّار والمشركين (اثَّاقَلْتُمْ) أي تثاقلتم فقد أدغمت التاء في الثاء كما لا يخفى ، وهذا يعني أنكم ملتم إلى السكينة حين الدعوة إلى النّفر ، وأخلدتم إلى الأرض وتباطأتم عن إجابة الدعاء ، وقد كان ذلك منهم قبيل غزوة تبوك فنزل هذا الاستفهام والعتب : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) أي هل آثرتم نعيم الدّنيا الزائل على نعيم الآخرة الدائم؟ لا تتوهّموا (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ليس نعيمها الذي يبلي ويفنى وتخلعونه عنكم إذا قيس فِي متاع (الْآخِرَةِ) الدائم الخالد (إِلَّا قَلِيلٌ) زهيد لا يقاس به.
٣٩ ـ (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً ...) الخطاب مستمر للمؤمنين يومئذ خاصة ، ولسائر المؤمنين عامة ، وهو تهديد ووعيد إذ قال : (إِلَّا) أي : إن لم تخرجوا إلى قتال عدوّكم حين دعاكم النبيّ (ص) وقعدتم عنه واستسلمتم للراحة والدعة ، يعذّبكم الله عذابا موجعا في الآخرة (وَيَسْتَبْدِلْ) بكم (قَوْماً غَيْرَكُمْ) لا يتقاعدون عن الجهاد بل يندفعون إليه. وفي المجمع أن القوم أبناء فارس أو أبناء اليمن وقيل غيرهم (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) أي ولا تلحقوا ضررا به سبحانه إذا أنتم قعدتم عن الجهاد لأنه غنيّ بنفسه غير محتاج إلى أحد. وقيل إنه تعالى عنى أنهم لا يضرّون الرسول (ص) بتخلّفهم ، فقد عصمه الله من الهزيمة ومن شرّ سائر الناس ، ونصره بالملائكة (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يستطيع أن يستبدل بكم غيركم ويفعل ما يشاء. ويقوّي كون النبيّ (ص) هو المعني بالضمير في (تَضُرُّونَهُ) قوله تعالى :
٤٠ ـ (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ ...) أي إن لم تنصروا النبيّ (ص) وتساعدوه على قتال عدوّه ، فإن الله لا يخذله بل يتولّى نصره دائما. وقد فعل ذلك حين أجمعت القبائل على قتله (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) من مكة ، بكيدهم وبتدبير الوقيعة فيه إذا استطاعوا ، وكان (ثانِيَ اثْنَيْنِ) أي أحد اثنين هو وأبو بكر (إِذْ هُما فِي الْغارِ) وحدهما ، والغار لغة هو الثقب العظيم في الجبل ، وقصد به هنا (غار ثور) الواقع في جبل بمكة (إِذْ) كان (يَقُولُ) النبيّ (ص) (لِصاحِبِهِ) أبي بكر (لا تَحْزَنْ) يعني : لا تخف