(إِنَّ اللهَ مَعَنا) أي مطّلع على ما نحن فيه وهو يحفظنا ويتولّى نصرنا.
وقد ذكر الزهري أنه لمّا دخل النبيّ (ص) وصاحبه إلى الغار بعث الله زوجا من الحمام باضا في أسفل الثقب ، ثم بعث العنكبوت فنسجت بيتا لها على باب الغار. ولمّا جاء سراقة بن مالك يقص أثرهما رأى بيض الحمام وبيت العنكبوت فقال : لو دخل إلى الغار أحد لا نكسر البيض وتبدّدت خيوط بيت العنكبوت ، فانصرف وجزم بأنهما ليسا في الغار. وقد قال النبيّ (ص): أللهم أعم أبصارهم. فعميت أبصارهم وجعلوا يروحون ويجيئون يمينا وشمالا حول الغار حتى قال أبو بكر : لو نظروا إلى أقدامهم لرأونا. وروى علي بن إبراهيم بن هاشم أنه كان فيهم رجل من خزاعة يقال له أبو كرز ، ما زال يقفو أثر رسول الله (ص) حتى وقف على باب الغار فقال : هذه قدم محمد (ص) ما جاوزوا هذا المقام ، إمّا أن يكونوا قد صعدوا في السماء ، أو دخلوا في الأرض. وروي أن أحدهم بال على باب الغار فقال أبو بكر : قد أبصرونا يا رسول الله ، فقال (ص) : لو أبصرونا ما استقبلونا بعوراتهم (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) أي على محمد (ص) إذ ألقى الاطمئنان في قلبه فعلم أنهم لا يصلون إليه (وَأَيَّدَهُ) يعني قوّاه وشدّ عضده (بِجُنُودٍ) تنصره (لَمْ تَرَوْها) هي ملائكة كانت تضرب وجوه أعدائه وأبصارهم حتى لا يروه ، وتأييده كان بصرف أعدائه وردّ كيدهم. ولا يمكن أن يكون الضمير في (عَلَيْهِ) راجعا لأبي بكر لأن الضمائر قبل هذا وبعده تعود إلى النبيّ (ص) بلا خلاف فلا يعقل أن يعود ضمير واحد من بينها على أبي بكر دون التنويه باسمه أو بما يدل عليه (وَجَعَلَ) الله تبارك وتعالى (كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى) فأحبط تآمرهم وردّهم بغيظهم وكانت عزمتهم هي الواطئة الدنيئة (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) أي المرتفعة المنتصرة دائما وأبدا لأنها لا تدعو إلّا إلى الحكمة والمصلحة (وَاللهُ عَزِيزٌ) منيع قويّ في انتقامه ولا ينال جانب حضرته القدسيّة ، وهو (حَكِيمٌ) في أفعاله وتدابيره.
* * *