تخلّف عن الخروج إلى أن مضى من مسير رسول الله (ص) عشرة أيام ، ودخل يومها على امرأتين له في عريشين قد رتّبتاهما وبرّدتا الماء فيهما وهيّأتا له الطعام ، فقام على العريشين وقال : سبحان الله ، رسول الله قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر في الفتح والرّيح والحرّ والقرّ يحمل سلاحه على عاتقه ، وأبو خيثمة في ظلال باردة وطعام مهيّأ وامرأتين حسناوين!! ما هذا بالنّصف. ثم قال : والله لا أكلّم واحدة منكما كلمة ولا أدخل عريشا حتى ألحق بالنبيّ (ص) ثم أناخ ناضحه واشتدّ عليه متزودا ولم يكلّم زوجتيه. وإذ اقترب من تبوك قال الناس : هذا راكب على الطريق. فقال النبيّ (ص) كن أبا خيثمة أولى لك. فلما دنا قال الناس : هذا أبو خيثمة يا رسول الله. فأناخ راحلته وسلّم على رسول الله (ص) وحدّثه بحديثه فقال له خيرا ودعا له ...
وهكذا عاش ذلك الجيش بدعاء النبيّ (ص) لأن وضعه كان في غاية الشدة من حيث التعب والجوع والعطش ، ففي المجمع أن عمر بن الخطاب قال : أصابنا حرّ شديد وعطش فأمطر الله السماء بدعاء النبيّ (ص) فعشنا (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) أي بعد أن كاد ينحرف ميل كثيرين منهم عن الجهاد ، وراودتهم نفوسهم بالانصراف فعصمهم الله من ذلك. (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) من بعد ذلك الزيغ الذي كاد أن يقع في قلوبهم (إِنَّهُ) سبحانه وتعالى (بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) قد عطف عليهم وتداركهم برحمته.
١١٨ ـ (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ...) هذه الآية معطوفة على سابقتها ، أي أنه تعالى تاب على أولئك ، وتاب على الثلاثة الذين تأخروا عن مرافقة النبيّ (ص) في حرب تبوك ، وهم : كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية الذين تخلّفوا عن الزحف لا عن نفاق بل عن توان ، ثم ندموا وجاؤوا إلى النبيّ (ص) بعد رجوعه ليعتذروا فلم يكلّمهم وهجرهم وأمر المسلمين بهجرهم ، فهجروهم ، حتى الصبيان ، فجاءت نساؤهم إلى النبيّ (ص) فقلن : يا رسول الله نعتزلهم؟ فقال : لا ، ولكن لا يقربوكنّ.