٢ ـ (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ ...) هو استفهام إنكاري ، يعني : هل كان وحينا المنزل على رجل من الناس مدعاة لتعجّبهم؟ وقد قيل : عنى بالناس هنا أهل مكة لأنهم قالوا : نعجب أن الله سبحانه لم يجد رسولا إلى الناس إلّا يتيم أبي طالب؟ والمقصود بهذه الصيغة من السؤال هو : لماذا يعجبون أن أوحينا إلى رجل منهم؟ مع أن هذا ليس بموضع تعجّب ، بل هو الشيء الذي يقرّره العقلاء ، لأنه سبحانه لمّا خلق الناس وأكمل عقولهم وتكفّل برزقهم كلّفهم بمعرفته وأداء شكره فوجب ـ حكما وحكمة ـ أن يبعث من يوحي إليه (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) خوّفهم بالعذاب (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) عرّفهم الخبر السارّ المفرح وهو (أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) قيل إن القدم اسم للحسنى من العبد ، واليد اسم للحسنى من السيّد للفرق بين هذا وذاك. فبشّر المؤمنين يا محمد بأن لهم أجرا حسنا ومنزلة سامية بما قدّموا من صالح الأعمال وأنهم سينالون شرف الخلود في نعيم الجنة إكراما لما قدّموه من الطاعات. وعن الإمام الصادق عليهالسلام وأبي سعيد الخدري أن قدم الصدق هي شفاعة محمد (ص) ، وجملة : أن أنذر ، في موضع نصب ، والتقدير : أوحينا بأن أنذر ، فحذف الجارّ فوصل الفعل. وكذلك جملة : أنّ لهم قدم صدق ، فموضعها نصب بالفعل : وبشّر .. (قالَ الْكافِرُونَ) المنكرون : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ) أي أن النبيّ (ص) يأتي بسحر يخفي الحقيقة بالحيلة ، ويظهرها على غير وجهها ، حتى يتوهّم الناس أنه يأتي بالمعاجز. وقد قالوا ذلك لعجزهم عن أن يأتوا بمثل القرآن ليعارضوه به.
* * *
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا