تَذَكَّرُونَ (٣) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٤))
٣ ـ (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ...) أي أن خالقكم ومبتدعكم ومصرّف أموركم ومدبّر شؤونكم الذي يجب عليكم عبادته هو الله الذي خلق السّماوات والأرض أيضا ، واخترعهما وأنشأهما بما فيهما من عجائب الصّنع وبدائع الحكمة والتدبير والتنظيم (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) لا تزيد ولا تنقص مع أن قدرته تسع خلقهما دفعة واحدة ، فهو قادر على إيجاد ذلك كله في أقلّ من لمح البصر ، وقد خلق ذلك في وقت محدّد منظّم إبعادا له عمّا يتوهّمه المتوهّمون من الصّدقة والاتّفاق في وجود هذه الكائنات المدهشة (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) فسرنا ذلك في سورة الأعراف ، ومعناه أنه أخذ بإنشاء التدبير لما كوّنه مع أنه لا يشغله شيء عن شيء ، فهو (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) يقدّره على الوجه الأكمل اللائق به ويحكم عواقبه (ما مِنْ شَفِيعٍ) أي ليس من متوسط بالشفاعة لأحد (إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) أي بعد أمره والترخيص له بذلك. وقد ذكر ذلك وإن لم يجر ذكر الشفعاء هنا ، لأن عبدة الأصنام كانوا يقولون : هؤلاء شفعاؤنا إلى الله ، فبيّن أن الشفيع لا يشفع إلّا برخصته ، والأصنام لا تعقل فكيف تكون شفيعة؟ (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) أي أن الموصوف بتلك الصفات من الربوبيّة والخلق والجبروت ، هو إلهكم المستحق للعبادة (فَاعْبُدُوهُ) وحده ولا تشركوا معه شيئا كالأصنام التي لا تسمع ولا تعقل ولا تملك ضرّا ولا نفعا (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) يعني : هلّا تتذكّرون وتتفكّرون فيما يخبركم به؟
٤ ـ (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً ...) أي : إلى الله الذي وصفته الآية السابقة مرجعكم الّذي هو إمّا معادكم وإمّا موضع رجوعكم يوم حشركم جميعا في