لتعرفوا (عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) أي أول كل شهر وآخره ، وتمام كل سنة وانقضاءها. والقمر والشّمس ـ فعلا ـ أعظم آيتين لله تعالى تدلّان على وحدانيّته وقدرته من حيث خلقهما وجعل الضياء الذي لا ينفد فيهما ، ودورانهما وقربهما وبعدهما بحسب المنازل ، ومن حيث مشارقهما ومغاربهما ، وبالنظر للخسوف والكسوف ، ولتأثيرهما في الحر والبرد وحياة الإنسان والحيوان والنبات وإخراج الثمار والمد والجرّ وغير ذلك من عجيب الصّنع ودقيق الحكمة ، ف (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ) الخلق العجيب (إِلَّا بِالْحَقِ) إلّا شاهدا بحقّ الربوبيّة وبحقّ كونه آية دالّة على الوحدانيّة ، والله (يُفَصِّلُ الْآياتِ) يشرحها ويوضحها واحدة واحدة (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) يعونها ويدركون أهميّتها ويعطونها حظّها من الفهم والتدبّر والتأمل في عظمتها. وما أجمل ما أورده صاحب المجمع تغمّده الله برحمته من أن قوله تعالى : (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) ، يعني التثنية ، أي قدّر القمر ، وقدّر الشّمس ، منازل. غير أنه وحّده للإيجاز اكتفاء بالمعلوم كما مرّ ذكر أمثاله. وقد ورد ذلك في الشعر كقول أحدهم :
رماني بأمر كنت منه ووالدي |
|
بريئا ، ومن جول الطّويّ رماني |
أي كنت بريئا مما رماني به ، وكان والدي بريئا ممّا رماه به ، فالشّمس تقطع منازل كالقمر في الشهر وفي الفصل كما لا يخفى على من عنده إلمام بذلك ، فتبارك الله أحسن الخالقين.
٦ ـ (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ...) أي : في اختلاف تعاقب اللّيل والنهار على ما تقتضيه الحكمة في الآفاق من حيث علاقة تعاقبهما وعلاقتهما بالأفلاك والكواكب السيارة والثابتة ، وفي فعل الله تعالى في ذلك كله ـ إن فيه (لَآياتٍ) براهين ودلالات وحججا على وحدانيته وحكمة صنعه (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) لجماعة يجتنبون المعاصي ويخافون العقاب ويعملون بأوامر الله تعالى ، وينتهون عمّا نهى عنه. وقد أورد ذكرهم بعد ذكر هذه الآيات