٩ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ...) بعد أن قرّر سبحانه مصير المنكرين للبعث والحساب ، ذكر المؤمنين الذين صدّقوا به وبرسله ثم أضافوا إلى ذلك التصديق عمل الطاعات والخير ، وبيّن أنهم (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) يدلّهم إلى الطريق المؤدية إلى الجنة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) أي من تحت قصورهم في الجنّة ومن بين أيديهم وهم يتنعّمون غدا (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) وذلك جزاء إيمانهم وعملهم الصالح. وقوله تعالى : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) ، هو كقوله لمريم ابنة عمران عليهاالسلام : (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) ، أي نهرا صغيرا ، فإن ذلك لا يعني أن النهر تحتها وهي تقعد عليه ، ولكنه أراد أن النهر بين يديها وفي متناولها ، وكذلك الأنهار التي هي تحتهم تكون تحت قصورهم في الجنة وفي بساتينهم وحدائقهم.
١٠ ـ (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ ...) أي أن دعاء المؤمنين في الجنة وكلّ عملهم لا يتعدّى أكثر من قولهم : سبحانك يا الله ، إذ لا تكليف في الجنة ولا صوم ولا صلاة ولا فريضة ، فهم إذا تعجّبوا من نزول نعمة جديدة ، أو إذا رأوا ما اختصّهم الله تعالى به قالوا : سبحان الله لا على وجه العبادة بل تلذّذا بالتّسبيح (وَتَحِيَّتُهُمْ) التحية : التكرمة ، يعني أن السلام الذي يأتيهم منه سبحانه ، أو التحية الذي يحيي بعضهم بعضا بها ، هي : سلام. وكذلك تحية الملائكة لهم ، ومعنى ذلك ـ لو قاله أيّ ممّن ذكرنا ـ : سلمتم ممّا ابتلي به أهل النار (وَآخِرُ دَعْواهُمْ) الدعاء الأخير عندهم : (أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) فهذا آخر كلّ كلام لهم ، لا أنه آخر كلمة يقولونها ولا يتكلّمون بعدها بشيء. والخلاصة : أن مفتتح كلامهم في كل مناسبة التسبيح وآخره الحمد ... أما لفظة (أَنِ) في : أن الحمد لله ، فهي (أَنِ) المخفّفة من (أَنِ) الثقيلة ، وتقدير الكلام : أنّه الحمد لله ربّ العالمين. ولا يجوز أن تكون (أَنِ) زائدة هنا كما قرّر النحويون.
* * *