ومنحناه العافية (ضُرٍّ) استمرّ على حاله الأولى في إعراضه عن شكرنا وحمدنا (كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) كأنّه ما دعانا لكشف ضرّه ، وكأنّ الضرّ قد زال دون إجابتنا (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي على هذا الشكل أظهر التزيين من قبل الشيطان وجنوده لمن لا يعرفون قيمة أنفسهم ولا يحسبون حساب مصيرهم ، زيّن لهم عملهم هذا من قبل أنفسهم أو من قبل الشيطان ، أو بعضهم من قبل بعض ، فمنحوا العافية بعد البلاء ولم يشكروا مانحها ولم يذكروا حسن صنيع واهبها. ولا يخفى أن في هذه الآية حثّا على الشكر ، كما أن فيها دعوة إلى شكر النعمة بعد البلاء ... ونلفت النظر إلى أن كلمة : (لِجَنْبِهِ) في موضع نصيب على الحال ، وتقدره : دعانا نائما أو منبطحا لجنبه. أما الكاف في (كَذلِكَ) فهي منصوبة على أنها مفعول ما لم يسمّ فاعله ، والتقدير : زيّن للمسرفين عملهم مثل ذلك (كَذلِكَ).
* * *
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤))
١٣ ـ (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ ...) القرون : جمع قرن ، وهو أهل كل عصر من العصور ، وقد سمّوا بذلك لمقارنة بعضهم ببعض. فالله تعالى قد أهلك أهل جميع العصور التي سبقتكم بأنواع العذاب لأنها عصت أوامر ربّها ، وهذا لا يعني أنه أماتهم موتا طبيعيّا. ـ أهلكناهم (لَمَّا ظَلَمُوا) أنفسهم بالعصيان والبقاء على الشّرك (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي وكانت قد أتتهم أنبياؤهم بالدلالات الواضحة والبراهين القاطعة (وَما