ميتا وقد قيل له : (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ) أي موعظة بالغة في النكال لمن يأتي بعدك فلا يقول أحد بمقالتك ، إذ يتبيّن أنك عبد ذليل ناله الغرق كسائر قومه ولم ينفعه ادّعاؤه للربوبيّة (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) أي أنهم ساهون عن التفكّر بدلالاتنا والتبصّر بحججنا.
* * *
(وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٣))
٩٣ ـ (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ ...) يقول تعالى إنه بعد إنعامه على بني إسرائيل بالنجاة ، بوّأهم : أقعدهم ومكّنهم ، وأسكنهم (مُبَوَّأَ) صدق : مكانا محمودا. ومبوأ : مصدر منصوب على أنه المفعول الثاني ل (بَوَّأْنا) وهو يعني إسكانهم في بيت المقدس وبلاد الشام ، وهي أرض خصب ومنازل مباركة ، وقيل : قصد مصر لأن موسى عليهالسلام عاد فسكن مع كثيرين منهم في مساكن آل فرعون (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أنعمنا عليهم بحلال الرزق اللذيذ الكثير إذ كانوا ذوي نعمة وافرة (فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) أي لم يختلفوا بشأن محمّد صلىاللهعليهوآله إلّا بعد أن جاء القرآن ، وقد كانوا مقرّين به معترفين منتظرين له. وكلمة : العلم تعني علمهم به وبصفاته (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ) يحكم فيما اختلفوا فيه فيما بينهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ) لأنه لا يعاجل بالعقوبة في الدنيا ، وسيتولى القضاء بينهم عند البعث (فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) في الأمور التي تنازعوا بشأنها.
* * *