حِينٍ (٩٨) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (١٠٠))
٩٨ ـ (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ ... فَلَوْ لا) معناها : هلّا ، وهي للتحضيض كقولك : هلّا أتيتني لأقضي حاجتك؟ ثم هي للتأنيب كقولك : هلّا كففت عن الفساد؟ و (كانَتْ) هنا تامّة لا تحتاج إلى خبر. والمعنى : فهلّا كان أهل كل قرية آمنوا في الوقت الذي ينفعهم فيه إيمانهم؟ فإن الإيمان عند نزول العذاب لا ينفع كما أنه لا يفيد عند الموت وسقوط التكليف ، وقوم يونس لم يقع بهم العذاب ولكنهم رأوا الآية الدالة عليه فلجئوا إلى الله تعالى وابتهلوا إليه وتضرّعوا وأعلنوا توبتهم ، شأنهم في ذلك شأن المريض الذي يتوب في مرضه ويرجو الشفاء ليعود إلى استئناف العمل الصالح. والحاصل أنه هلّا كانت كل قرية آمنت وقت الإيمان (فَنَفَعَها إِيمانُها) بأن ارتفع عنها عذاب الله ، ولم تؤجّل إيمانها حتى وقوع العذاب؟ فإننا لم نقبل إيمان قوم على هذا الشكل (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) مستثنيا قوم يونس الّذين (لَمَّا آمَنُوا) عند نزول العذاب وقربه منهم (كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي صرفناه عنهم ونجّيناهم من عاره وشناره وعاقبته الوخيمة (وَمَتَّعْناهُمْ) تركناهم يرتعون في نعمنا (إِلى حِينٍ) أي : إلى انقضاء آجالهم.
وقد ذكر المفسّرون أن يونس عليهالسلام كان بنينوى من أرض الموصل ، وكان يدعو قومه إلى الإسلام وينذرهم ويحذّرهم فلا يستمعون إليه. فضاق بهم ذرعا لما كانوا عليه من عناد فدعا عليهم بالعذاب والاستئصال. ثم أخبرهم يوما أن العذاب نازل بهم في صبيحة ثلاث ليال إن لم يتوبوا ويعودوا عن كفرهم. فخافوا لأنهم قالوا لم نجرّب عليه كذبا ،