ثم قالوا : انظروه فإن بات تلك الليلة بيننا فلن يقع عذاب ، وإن تركنا وخرج فاعلموا أن العذاب مصبحكم. وفي جوف الليلة المعيّنة خرج يونس ، فأصبحوا وقد أغامت السماء غيما أسود مخيفا يدخّن دخانا شديدا ، هبط على مدينتهم فغشّاها فاسودّت سطوحها. فلمّا رأوا ذلك خافوا الهلاك فطلبوا يونس عليهالسلام فلم يجدوه ، فخرجوا إلى الفلاة هم ونساؤهم وأولادهم ودوابّهم ولبسوا لباس الذّل وأظهروا التوبة والإيمان وفرّقوا بين كل أمّ وابنها وبين كل دابّة ورضيعها فعلا حنين بعضها إلى بعض ، وعلت الأصوات والابتهالات وأعلنوا إيمانهم بما جاء به يونس عليهالسلام ، فرحمهمالله سبحانه وتعالى واستجاب دعاءهم وكشف عنهم العذاب بعد أن كاد يظلّهم. وروي عن الإمام الصادق عليهالسلام أنه كان فيهم رجل اسمه مليخا ، عابد ، وآخر اسمه روبيل ، عالم. وكان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم ، وكان العالم ينهاه ويقول : لا تدع عليهم فإن الله يستجيب لك ولا يحب هلاك عباده. فقبل يونس قول العابد فدعا عليهم ، فأوحى الله إليه أنه يأتيهم العذاب في شهر كذا في يوم كذا. فلما قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد وبقي العالم فيهم. فلما كان اليوم الذي نزل بهم العذاب قال لهم العالم : أفزعوا إلى الله فلعلّه يرحمكم ويردّ العذاب عنكم. فاخرجوا إلى المفازة وفرّقوا بين النساء والأولاد ، وبين سائر الحيوان وأولادها ، ثم ابكوا وادعوا. ففعلوا فصرف عنهم العذاب وكان قد نزل بهم وقرب منهم. ومرّ يونس على وجهه مغاضبا كما حكى الله تعالى عنه حتى انتهى إلى ساحل البحر فإذا سفينة قد شحنت وأرادوا أن يدفعوها ، فسألهم يونس أن يحملوه ، فحملوه. فلمّا توسطوا البحر بعث الله عليهم حوتا عظيما فحبس عليهم السفينة ، فتساهموا فوقع من بينهم السهم على يونس فأخرجوه فألقوه في البحر ، فالتقمه الحوت ومرّ به في الماء. وقيل إن أهل السفينة قالوا نقترع على من نلقيه للحوت فإن بيننا عبدا آبقا. فاقترعوا سبع مرات فوقعت القرعة على يونس ، فقام وقال أنا العبد الآبق وألقى نفسه في الماء فابتلعه الحوت ، فأوحى الله إلى ذلك الحوت : لا تؤذ شعرة