بالمحال إذ لا أحد يخرج روحه باختياره ولا يعطيها بطيب نفسه وهذا تهديد لهم يعقبه قولهم لهم : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) أي منذ اليوم يبدأ عذابكم ، والهون هو الخزي والذل الذي يصيبكم منذ اليوم إلى يوم القيامة. وفي العياشي عن الباقر عليهالسلام : هو العطش يوم القيامة ، تلقون ذلك الجزاء (بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ، وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) فأنتم مستحقّون لذلك لأنكم كذلك.
٩٤ ـ (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى ...) في هذه الآية الشريفة منتهى التوبيخ لهم ، إذ يقول سبحانه : جئتم إلينا فرادى : واحدا واحدا ، صفر اليدين ممّا كنتم تملكون ، ومن العشيرة والأهل والأولاد ، وأتيتم (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي : كما كنتم في بدء الخليقة عراة ليس معكم رفيق ولا بيدكم قوة. وفي الخرائج عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنه قرأ على فاطمة بنت أسد هذه الآية ، فقالت : وما فرادى؟ فقال : عراة. فقالت : وا سوأتاه! فسأل الله أن لا يبدي عورتها وأن يحشرها بأكفانها. قيل : أنّى لهم الأكفان وقد بليت؟ قال : إن الذي أحيا أبدانهم جدّد أكفانهم. قيل : فمن مات بلا كفن كأكيل حيوان من السّباع؟ قال : يستر الله عورته بما يشاء من عنده. وعن الصادق عليهالسلام : تنوّقوا في الأكفان ، فإنكم تبعثون بها. ومعنى هذا الحديث الشريف : اطلبوا أحسنها وأجودها ، وذلك من قولهم : تنوّق وتنيّق في مطعمه وملبسه : تجوّد وبالغ. والاسم النقيّة والنيّقة .. فها أنتم أيها الظالمون جئتم «مرغمين» واحدا بعد واحد (وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ) أي خلّفتم وراءكم كلّ ما أعطيناكم إياه وتفضّلنا عليكم به وملّكناكم له فشغلكم عن الآخرة ، وتركتموه (وَراءَ ظُهُورِكُمْ) في دار الدّنيا إذ صارت وجهتكم الآخرة وظهوركم نحو الحياة والأحياء في الدّنيا (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) والمراد بالشّفعاء الأصنام التي زعمتم أنها في يقينكم شركاء لله تعالى في ربوبيّته ، فإننا لا نراها معكم لتشفع لكم ، بل (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) أي انقطعت الصلة بينكم وبينهم. والبين والوصل ضدّان ، وهما الوصل