هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧))
١١٢ ـ (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا ...) أي كما أنّ لك أعداء يا محمد ، فكذلك كنّا قد جعلنا لغيرك من الأنبياء أعداء. وقد أسند فعل الجعل إليه تعالى إذ لا مانع من ذلك باعتبار معنى التخلية لهم وعدم منعهم عن وساوسهم ، وبمعنى التخلية أيضا بين الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وبين أعدائهم للامتحان والاختبار ولئلا يقول الناس لو أننا كنّا محفوظين من وساوس الشيطان كما حفظ الأنبياء لما وقعنا في الزلل ولما ارتكبنا الخطأ والإثم. فالآن ، وبعد «جعل» عداوة المعاندين للأنبياء ، أصبحت عصمة الرّسل مميّزة تمام التمييز عن عناد المعاندين ، وأصبحت طاعاتهم واضحة في مقابل خلاف المخالفين ، وتمّت الحجة وانقطع الكلام بعد أن جعل الله سبحانه لكل نبيّ عدوّا (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) أي مردة هؤلاء وهؤلاء. وهذه العبارة بيان لقوله : عدوّا. فالعدوّ إمّا أن يكون من الإنس وإمّا أن يكون من الجنّ ، وهم (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) أي ينفث هذا لهذا قولا منمّقا يموّه الحقائق ويقلب المفاهيم ويكون باطنه غير ظاهره ، مزيجا من الحق بالباطل ، غرورا : أي خداعا وغشّا من القول الذي يلقيه بعضهم إلى بعض ليجترئ على الحق وليظهر أمام الملأ كأنّه يبحث عن الحق الذي لا ريب فيه ، كذبا وتمويها. ولفظة : غرورا ، مفعول لأجله ، يعني : ليغرّ بعضهم بعضا. وفي الخصال عن الإمام الصادق عليهالسلام : الإنس على ثلاثة أجزاء : فجزء تحت ظلّ العرش يوم لا ظلّ إلّا ظلّه ، وجزء عليهم الحساب والعذاب ، وجزء وجوههم وجوه الآدميّين وقلوبهم قلوب الشياطين .. فطب نفسا يا محمد فقد ابتلينا الرّسل من قبلك بالأعداء كما ابتليناك (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) مشيئة جبر (ما فَعَلُوهُ) ولكفّوا عن عداوتك مكرهين وكانوا عليها غير قادرين ، ولعجزوا عن الإيحاء بزخرف القول (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) يعني : أتركهم في كذبهم وكلامهم المزخرف الذي يبثّونه بين إخوانهم من