وتعالى (أَعْلَمُ) أعرف وأدرى (حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) أين يضعها وعلى من ينزلها. والآية الشريفة ردّ على الكفّار واستهزاء بهم وبعنجهيّتهم لأن النبوّة ليست بالمال ولا بالثراء ولا بطول الباع في حطام الدنيا ، ولا بوجاهتها الزائفة ، وإنما هي رسالة مقدّسة يختار الله سبحانه لها من توافرت فيه الفضائل الخلقية والنّفسانية ، ويختص بها من يشاء من عباده الّذين اصطفى واجتبى لهذا الأمر الربّانيّ العظيم. ويا محمد (سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) أي سيحلّ بهؤلاء الّذين ارتكبوا الكبائر بحقّ أنفسهم وبحقّ غيرهم (صَغارٌ) أي : ذلّ وهوان يوم القيامة بعد تكبّرهم ، (وَ) سينالهم أيضا (عَذابٌ شَدِيدٌ) صعب أليم (بِما كانُوا يَمْكُرُونَ) أي : بسبب مكرهم وعنادهم في دار الدنيا. وفي القمي : يعصون الله تعالى ويخادعونه ، فيجازيهم على مكرهم وحيلهم.
* * *
(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (١٢٥) وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٧))
١٢٥ ـ (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ ...) أي من يلطف به بأن يريد له الهدى ويشاءه (يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) يوسع قلبه لذلك ويفسح له فيه. وهذا كناية عناية عن جعل قلبه قابلا للإفاضات النازلة من رحاب الله تعالى ، متقبّلا لأوامره ونواهيه (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) أي : ومن لا يستحق الهداية ولا يرغب فيها يخلّي الله تعالى بينه وبين نفسه ، ويجعل قلبه كثير الضّيق بالأمور