قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ)
اتّقاؤك نفسك من الشرّ أن تردّ عنها الشرّ ، لا بأن تبطل الشرّ في نفسه ، ولا بأن تبطل توجّهه إليك ، بل بأن تحفظ نفسك من وصول الشرّ إليها ، واتّقاء العبد من الله تعالى لو صحّ على حقيقته لكان ممّا يريد به ويفعله من الشرّ.
وفعله سبحانه خلقه ، وليس في خلقه غير الحسن ، وقد قال تعالى : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (١) فليس عنده تعالى غير الحسن والخير ، وما يفيضه خير وحسن ، فهذا الشرّ الذي أمرنا بالإتّقاء من الله لأجله إنّما صار شرّا مكروها بنسبته إلينا سيّئا بفساد أنفسنا ، فهذا الإتّقاء إنّما هو اتّقاء ممّا عندنا من موجبات سخطه وغضبه ـ أعاذنا الله منه ـ وإلّا فلا شرّ عنده سبحانه يتّقى.
على أنّ ما يريده سبحانه لا دافع له ولا مانع ، فالتقوى في الحقيقة هي التقوى من المعصية والذنب وإن كان بحسب جليل النظر ، هو السيّء من الأعمال والأفعال لكنّه بحسب دقيق النظر ينحلّ إلى الغفلة عمّا يقتضيه أسماؤه وصفاته الجماليّة والجلاليّة ـ عزّت أسماؤه ـ وعدم الجري على ذلك وستره والكفر به ، فذكره سبحانه من غير نسيان هو الموجب أن لا يرى الإنسان لغيره تعالى وقعا ومكانة يميل به إليه ممّا تهواه النفس ويميل إليه الطبع الخسيس ، والشكر له عند ذلك ، أي وضع كلّ شيء في موضعه وحدّ وجوده من الفقر إلى الله ، والذلّة لله والقيام بالله.
فحقّ تقوى الله أن لا ينسى العبد مقام ربّه ويضع كلّ شيء موضعه الذي وضعه فيه ربّه.
__________________
(١). السجدة (٣٢) : ٧.