النبيّين مبشّرين ومنذرين ، فهو ما ذكرنا ، واختلاف الناس هو السبيل إلى التبشير والإنذار وبعث الأنبياء.
ومن هنا تعرف : أنّ الآية تعطي للدّين حدّا ؛ وهو نحو سلوك في الحياة الدنيويّة يتضمّن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الاخرويّ والحياة الحقيقيّة الدائمة عند الله ـ عزوجل ـ
ومن هنا تعرف أيضا : أنّ الأديان لم تزل تستوعب جهات الحياة حتّى تستوعب جميع جهاتها ، فعند ذلك يقف الدين مختوما ؛ فإنّ الدين يحاذي ما عند الله ، فإذا استوعب وجب أن يختم ؛ قال تعالى : (وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) (١) وبالعكس الدين الذي يختم به الأديان يجب أن يستوعب جهات الحياة الدنيا وبالمحاذاة جهات الحياة الاخرى ؛ قال تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (٢) وقال : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) (٣) وقال : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ). (٤)
ومن هنا يظهر أيضا : أنّ كلّ شريعة لا حقة أكمل من سابقتها ، وأمّا الاختلاف في الكتاب وما حواه من المعارف الالهيّة فهو سبحانه ينسبه إلى بغي حملته وطلبهم الفساد بذلك ؛ إذ قال : (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ ... بَغْياً بَيْنَهُمْ ...) إلى آخره ، دون فطرة الناس ؛ إذ الفطرة على ما فطرها الله تعالى لا تقضي إلّا بالحق ، قال تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها
__________________
(١). النحل (١٦) : ٩٦.
(٢). آل عمران (٣) : ١٩.
(٣). الأحزاب (٣٣) : ٤٠.
(٤). النحل (١٦) : ٨٩.