بروح القدس ، كما ذكر لعيسى ـ عليهالسلام ـ.
ومنها : ما ليس كذلك وإنّما يدلّ عليها بالإضافة ؛ فالتكليم ليس بنفسه منقبة حتّى يضاف إلى شيء يكتسب منه المنقبة ، فيقال : «تكليم الله» ، وكذا رفع الدرجات ، حتّى يقال : «رفعه الدرجات» ـ كان ـ وهذا هو الوجه في الالتفات من التكلّم إلى الغيبة في اثنتين من الجمل الثلاث ، حيث قال : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) فحوّل وجه الكلام إلى الغيبة في الجملتين الاوليين ؛ حتّى إذا استوفى الغرض عاد إلى وجه الكلام الأوّل وهو التكلّم ، فقال تعالى : (وَآتَيْنا عِيسَى).
وذلك هو الوجه في إيراد عيسى باسمه دون الباقين ؛ إذ إيتاء البيّنات والتأييد بروح القدس مشتركان بين الرسل جميعا ، ليسا بمنقبة لأحد بعينه ، قال تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ) (١) وقال : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا) (٢) لكنّهما في عيسى حيث كانا بنحو خاصّ ـ كإحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص من البيّنات ، ونفخ الروح ـ أضافهما إليه ، فصرّح بالاسم فيه دون غيره.
على أنّ في اسمه خاصّة اخرى وآية بيّنة : وهو أنّه ابن مريم لا أب له ، قال تعالى : (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) (٣) فمجموع الامّ والابن بيّنة تامّة اخرى ، هذا.
ثمّ وقع الالتفات إلى الغيبة ، فقال تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ
__________________
(١). الحديد (٥٧) : ٢٥.
(٢). النحل (١٦) : ٢.
(٣). الأنبياء (٢١) : ٩١.