وليس نقل الاسم المجرد استعارة ، لأنه لا بلاغة فيه ، بدليل الأعلام المنقولة ، فلم يبق إلا أن يكون مجازا عقليا.
وقيل : حقيقة الاستعارة أن تستعار الكلمة من شىء معروف بها إلى شىء لم يعرف بها.
وحكمة ذلك إظهار الخفىّ وإيضاح الظاهر الذى ليس يجلى ، أو حصول المبالغة أو المجموع.
مثال إظهار الخفى : (وإنه فى الكتاب) فإنه حقيقته : وإنه فى أصل الكتاب ، فاستعير لفظ الأم للأصل لأم الأولاد تنشأ من الأم كإنشاء الفروع من الأصول ، وحكمة ذلك تمثيل ما ليس بمرئىّ حتى يصير مرئيّا ، فينتقل السامع من حدّ السماع إلى حد العيان ، وذلك أبلغ فى البيان.
ومثال إيضاح ما ليس بجلىّ ليصير جليا : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ) فإن المراد أمر الولد بالذل لوالديه رحمة ، فاستعير للذل أولا جانب ثم للجانب جناحان ، وتقديره الاستعارة القريبة : واخفض لهما جانب الذل ، أى اخفض جانبك ذلا.
وحكمة الاستعارة فى هذا جعل ما ليس بمرئىّ مرئيّا لأجل حسن البيان ، ولما كان المراد خفض جانب الولد للوالدين بحيث لا يبقى الولد من الذل لهما والاستكانة ممكنا ، احتيج فى الاستعارة إلى ما هو أبلغ من الأولى ، فاستعير لفظ الجناح لما فيه من المعانى التى لا تحصل من خفض الجانب ، لأن من يميل جانبه إلى جهة السفل أدنى ميل صدق عليه أنه خفض جانبه ، والمراد خفض بلصق الجنب بالأرض ، ولا يحصل ذلك إلا بذكر الجناح كالطائر.
ومثال المبالغة : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) ، وحقيقته : وفجرنا عيون الأرض ، ولو عبر بذلك لم يكن فيه من المبالغة ما فى الأول المشعر بأن الأرض كلها صارت عيوبا.
وأركان الاستعارة ثلاثة :
مستعارة ، وهو لفظ المشبه به.