٢
القرآن معجزة
القرآن الذى هو متلوّ محفوظ مرسوم فى المصاحف هو الذى جاء به النبى صلىاللهعليهوسلم ، وأنه هو الذى تلاه على من فى عصره ثلاثا وعشرين سنة ، والطريق إلى معرفة ذلك هو النقل المتواتر الذى يقع عنده العلم الضرورى به ، وذلك أنه قام به فى الموقف ، وكتب به إلى البلاد ، وتحمله عنه إليها من تابعه ، وأورده على غيره من لم يتابعه ، حتى ظهر فيهم الظهور الذى لا يشتبه على أحد ، ولا يحتمل أنه قد خرج من أتى بقرآن يتلوه ويأخذه على غيره ، ويأخذه غيره على الناس ، حتى انتشر ذلك فى أرض العرب كلها ، وتعدّى إلى الملوك المعاقبة ، كملك الروم والعجم القبط والحبش وغيرهم من ملوك الأطراف.
ولما ورد ذلك مضادّا لأديان أهل ذلك العصر كلهم ، ومخالفا لوجوه اعتقاداتهم المختلفة فى الكفر ، وقف جميع أهل الخلاف على جملته ، ووقف أهل دينه الذين أكرمهم الله بالإيمان على جملته وتفاصيله ، وتظاهر بينهم حتى حفظه الرجال ، وتنقلت به الرحال ، وتعلمه الكبير والصغير ، إذ كان عمدة دينهم وعلما عليه ، والمفروض تلاوته فى صلواتهم ، والواجب استعماله فى أحكامهم.
ثم تناقله خلف عن سلف ، ثم مثلهم فى كثرتهم ، وتوفر دواعيهم عى نقله حتى انتهى إلينا ما وصفناه من حاله.
فلن يتشكك أحد ، ولا يجوز أن يتشكك مع وجود هذه الأسباب فى أنه أتى بهذا القرآن من عند الله ، فهذا أصل.
وإذا ثبت هذا الأصل وجودا ، ولقد تحداهم إلى أن يأتوا بمثله ، وقرعهم على ترك الإتيان به طول السنين التى وصفناها فلم يأتوا بذلك ، والذى يدل على هذا الأصل أنا قد علمنا أن ذلك مذكور فى القرآن فى المواضع الكثيرة ، كقوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ