وكنى عن البول بالغائط فى قوله : (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ). وأصله المكان المطمئن من الأرض.
وكنى عن قضاء الحاجة بأكل الطعام فى قوله فى مريم وابنها : (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ).
وكنى عن الأستاه بالأدبار فى قوله : (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ).
وعن مجاهد فى هذه الآية قال : يعنى أستاههم ، ولكن الله يكنى. وأورد قوله تعالى : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) وقال : إن المراد به فرج القميص ، والتعبير به من ألطف الكنايات وأحسنها : أى لا يعلق ثوبها بريبة فهى طاهرة الثوب ، كما يقال : نقى الثوب ، وعفيف الذيل ، كناية عن العفة ، ومنه : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) وكيف يظن أن نفخ جبريل وقع فى فرجها ، وإنما نفخ فى جيب درعها.
رابعها : قصد البلاغة والمبالغة نحو : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ) كنى عن النساء بأنهن ينشأن فى الترفه والتزين الشاغل عن النظر فى الأمور ودقيق المعانى ، ولو أتى بلفظ النساء لم يشعر بذلك ، والمراة نفى ذلك عن الملائكة.
خامسها : قصد الاختصار كالكناية عن ألفاظ متعددة بلفظ فعل نحو : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) أى فإن لم تأتوا بسورة من مثله.
سادسها : التنبيه على مصيره نحو : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) أى جهنمى مصيره إلى اللهب. (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِها حَبْلٌ) أى نمّامة مصيرها إلى أن تكون حطبا لجهنم فى جيدها غلّ.
وهكذا يعدل عن الصرائح إلى الكناية بنكتة كالإيضاح ، أو بيان حال الموصوف ، أو مقدار حاله ، أو القصد إلى المدح أو الذم أو الاختصار أو الستر أو الصيانة ، أو التعمية والإلغاز ، والتعبير عن الصعب بالسهل ، وعن المعنى القبيح باللفظ الحسن.
وقيل : الكناية : أن تعمد إلى جملة معناها على خلاف الظاهر ، فتأخذ الخلاصة من غير اعتبار مفرداتها بالحقيقة والمجاز ، فتعبر بها عن المقصود كما تقول فى نحو : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) إنه كناية عن الملك ، فإن الاستواء على السرير لا يحصل إلا مع الملك ، فجعل كناية عنه.