فالأول : يخاطب به من يعتقد الشركة نحو : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) خوطب به من يعتقد اشتراك الله والأصنام فى الألوهية.
والثانى : يخاطب به من يعتقد إثبات الحكم لغير من أثبته المتكلم له نحو : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) خوطب به نمروذ الذى اعتقد أنه هو المحيى المميت دون الله.
والثالث : يخاطب به من تساوى عنده الأمران فلم يحكم بإثبات الصفة لواحد بعينه ولا لواحد بإحدى الصفتين بعينها.
وطرق الحصر كثيرة :
أحدها : النفى والاستثناء ، سواء كان النفى بلا أو ما أو غيرهما.
والاستثناء بإلا أو (غير) نحو : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) ، (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ).
ووجه إفادة الحصر أن الاستثناء المتفرغ لا بد أن يتوجه النفى فيه إلى مقدر وهو مستثنى منه ، لأن الاستثناء إخراج فيحتاج إلى مخرج منه ، والمراد التقدير المعنوى لا الصناعى ، ولا بد أن يكون عامّا لأن الإخراج لا يكون إلا من عام ، ولا بد أن يكون مناسبا للمستثنى منه فى جنسه ، مثل ما قام إلا زيد : أى لا أحد ، وما أكلت إلّا تمرا : أى مأكولا ، ولا بد أن يوافقه فى صفته ، أى إعرابه.
وحينئذ يجب القصر إذا وجب منه شىء بإلا ضرورة فيبقى ما عداه على صفة الانتقاء.
وأصل استعمال هذا الطريق أن يكون المخاطب جاهلا بالحكم ، وقد يخرج عن ذلك فينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب نحو : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) فإنه خطاب للصحابة وهم لم يكونوا يجهلون رسالة النبى صلىاللهعليهوسلم ، لأنه نزل استعظامهم له عن الموت منزلة من يجهل رسالته ، لأن كل رسول فلا بد من موته ، فمن استبعد موته فكأنه استبعد رسالته.
الثانى : «إنما» : الجمهور على أنها للحصر ، فقيل بالمنطوق وقيل بالمفهوم. ومن الحصر بإنما قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) بالنصب ، فإن معناه : ما حرّم عليكم إلا الميتة ، لأنه المطابق فى المعنى لقراءة الرفع فإنها للقصر.
ومنه قوله تعالى : (قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ) فإنه إنما تحصل مطابقة الجواب إذا كانت «إنما» للحصر ليكون معناها : لا آتيكم به إنما يأتى به الله.