وإلى الحروف الشديدة ، وهى التى تمنع الصوت أن يجرى فيه ، وهى الهمزة والقاف والكاف والجيم والظاء والذال والطاء والباء.
وقد علمنا أن نصف هذه الحروف أيضا هى مذكورة فى جملة تلك الحروف التى بنى عليها تلك السور.
ومن ذلك الحروف المطبقة وهى أربعة أحرف ، وما سواها منفتحة.
فالمطبقة : الطاء والظاء والضاد والصاد.
وقد علمنا أن نصف هذه فى جملة الحروف المبدوء بها فى أوائل السور.
وكل ذلك يوجب إثبات الحكمة فى ذكر هذه الحروف على حدّ يتعلق به الإعجاز من وجه :
ومعنى عاشر : وهو أنه سهل سبيله فهو خارج عن الوحشى المستكره والغريب المستنكر وعن الصنعة المتكلفة ، وجعله قريبا إلى الأفهام ، يبادر معناه لفظه إلى القلب ، ويسابق المغزى من عبارته إلى النفس ، وهو مع ذلك ممتنع المطلب عسير المتناول ، غير مطمع مع قربه فى نفسه ولا موهم مع دنوه فى موقعه أن يقدر عليه أو يظفر به ، فأما الانحطاط عن هذه الرتبة إلى رتبة الكلام المبتذل والقول المسفسف ، فليس يصح أن تقع فيه فصاحة أو بلاغة ، فيطلب فيه الإعجاز ، ولكن لو وضع فى وحشى مستكره أو عمر بوجوه الصنعة ، وأطبق بأبواب التعسف والتكلف لكان لقائل أن يقول فيه ، ويعتذر ويعيب ويقرّع ، ولكنه أوضح مناره وقرب منهاجه وسهل سبيله وجعله متشابها متماثلا وبين مع ذلك إعجازهم فيه ، وقد علمت أن كلام فصحائهم وشعر بلغاتهم لا ينفك من تصرف فى غريب مستنكر أو وحشى مستكره ومعان مستبعدة ، ثم عدولهم إلى كلام مبتذل وضيع لا يوجد دونه فى الرتبة ، ثم تحوّلهم إلى كلام معتدل بين الأمرين متصرف بين المنزلين.