وسئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمن زنا بامرأة ثم تزوجها. فقال : «أوّله سفاح ، وآخره نكاح ، والحرام لا يحرم الحلال» (١).
ومعنى الجملة الأولى : وصف الزاني بكونه غير راغب فى العفائف ، ولكن فى الفواجر. ومعنى الثانية : وصف الزانية بكونها غير مرغوب فيها للأعفاء ، ولكن الزناة ، وهما معنيان مختلفان. وقدّم الزاني هنا ، بخلاف ما تقدم فى الجلد ؛ لأن تلك الآية سيقت لعقوبتهما على ماجنيا ، والمرأة هى المادة التي منها نشأت تلك الجناية ، كما تقدم ، وأما هنا فمسوقة لذكر النكاح ، والرجل أصل فيه.
ثم ذكر الحكم ، فقال : (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي : نكاح الزواني بقصد التكسب ، أو : للجمال ؛ لما فى ذلك من التشبه بالفساق وحضور مواضع التهمة ، والتعرض لسوء المقالة والغيبة والطعن فى النسب ، وغير ذلك من المفاسد التي لا تكاد تليق بأحد من الأدانى والأراذل ، فكيف بالمؤمنين والأفاضل؟ ، ولذلك عبّر عن التنزيه بالتحريم ، مبالغة فى الزجر ، وقيل : النفي بمعنى النهى ، وقرئ به. والتحريم : إما على حقيقته ، ثم نسخ بقوله : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ...) (٢) إلخ ، أو : مخصوص بسبب النزول. والله تعالى أعلم.
الإشارة : الصحبة لها تأثير فى الأصل والفرع ، فيحصل الشرف أو السقوط بصحبة أهل الشرف أو الأراذل ، وفى ذلك يقول القائل :
عليك بأرباب الصّدور ، فمن غدا |
|
مضافا لأرباب الصّدور تصدّرا |
وإيّاك أن ترضى بصحبة ساقط |
|
فتنحط قدرا من علاك وتحقرا |
فالمرء على دين خليله ، ومن تحقق بحالة لا يخلو حاضروه منها ، والحكم للغالب ، فإن كان النور قويا غلب الظلمة ، وإن كانت الظلمة قوية غلبت النور ، وصيرته ظلمة ، ولذلك نهى الله تعالى عن نكاح الزواني ، فإنه وإن كان
__________________
(١) هذا حديثان ، الأول قوله «أوله : سفاح وآخره نكاح ، أخرجه عبد الرزاق فى مصنفه (٧ / ٢٠٢) وابن أبى شيبة فى مصنفه (٤ / ٢٤٨) والبيهقي فى الكبرى (٧ / ١٦٨). موقوفا على ابن عباس رضي الله عنه.
والثاني : قوله : «الحرام لا يحرم الحلال ، أخرجه ابن ماجه فى (النكاح ، باب لا يحرم الحرام حلال ، ١ / ٦٤٩ ح ٢٠١٥) والدارقطني (٧ / ١٦٩) عن ابن عمر رضي الله عنه.
(٢) الآية ٣٢ من سورة النور.