البخاري (١). وقال ابن رشد : ليس بعد الشرك أقبح من الزنا ؛ لما فيه من هتك الأعراض واختلاط الأنساب ، ومن تاب فإن الله يتوب على من تاب. وبالله التوفيق.
وقوله تعالى : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) : قال فى الإحياء : فى الحديث : «خيار أمتى أحدّاؤها» (٢) يعنى : فى الدين ؛ قال تعالى : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) ، فالغيرة على الحرم ، والغضب لله وعلى النفس ، بكفها عن شهوتها وهواها ، محمود ، وفقد ذلك : مذموم. ه. وبالله التوفيق.
ثم نهى عن نكاح الزواني ، فقال :
(الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣))
يقول الحق جل جلاله : من شأن (الزَّانِي) الخبيث : أنه لا يرغب إلا فى زانية خبيثة من شكله ، أو فى مشركة ، والخبيثة المسافحة لا يرغب فيها إلا من هو من شكلها ، من الفسقة أو المشركين. وهذا حكم جار على الغالب المعتاد ، جىء به ؛ لزجر المؤمنين عن نكاح الزواني ، بعد زجرهم عن الزنا بهن ؛ إذ الزنا عديل الشرك فى القبح ، كما أن الإيمان قرين العفاف والتحصن ، وهو نظير قوله : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) (٣).
روى أن المهاجرين لمّا قدموا المدينة ، وكان فيهم من ليس له مال ولا أهل ، وبالمدينة نساء بغايا مسافحات ، يكرين أنفسهن ، وهنّ أخصب أهل المدينة ، رغب بعض الفقراء فى نكاحهن ؛ لحسنهن ، ولينفقوا عليهم من كسبهنّ ، فاستأذنوا النبي صلىاللهعليهوسلم فنزلت (٤) ، فنفرهم الله تعالى عنه ، وبيّن أنه من أفعال الزناة وخصائص المشركين ، فلا تحوموا حوله ؛ لئلا تنتظموا فى سلكهم وتتّسموا بسمتهم.
قيل : كان نكاح الزانية محرما فى أول الإسلام ، ثم نسخ بقوله : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) (٥). وقيل : المراد بالنكاح : الوطء ، أي : الزاني لا يزنى إلا بزانية مثله ، وهو بعيد ، أو باطل.
__________________
(١) أخرجه البخاري ، مطولا فى (الجنائز ، باب ٩٣ ح ١٣٨٦) من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه.
(٢) أخرجه الطبراني فى الأوسط (ح ٥٧٩٣) والبيهقي فى الشعب (ح ٨٣٠١) من حديث سيدنا علىّ ، بسند ضعيف ، وزادا : (والذين إذا غضبوا رجعوا) ..
(٣) الآية ٢٦ من سورة النور.
(٤) عزاه السيوطي فى الدر (٥ / ٣٨) لابن أبى حاتم ، عن مقاتل.
(٥) من الآية ٣٢ من سورة النور.