نور الزوج غالبا ـ إذا كان ذا نور ـ فإن العرق نزّاع ، فيسرى ذلك فى الفروع ، فلا تكاد تجد أولاد أهل الزنا إلا زناة ، ولا أولاد أهل العفة إلا أعفّاء ، (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) (١).
وفى الحديث : «إياكم وخضراء الدّمن ، قيل : وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال : المرأة الحسناء فى المنبت السوء» (٢). قال ابن السكيت : شبهها بالبقلة الخضراء فى دمنة أرض خبيثة ؛ لأن الأصل الخبيث يحن إلى أصله ، فتجىء أولادها لأصلها فى الغالب. فيجب على اللبيب ـ إن ساعفته الأقدار ـ أن يختار لزراعته الأرض الطيبة ، وهى الأصل الطيب ، لتكون الفروع طيبة. وفى الحديث : «تخيّروا لنطفكم ولا تضعوها إلّا فى الأكفاء» (٣) ه وبالله التوفيق.
ثم ذكر حدّ القذف ، فقال :
(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥))
قلت : «ثمانين» : مفعول مطلق ، و «جلدة» : تمييز. «إلا الذين تابوا» : إما : استثناء من ضمير «لهم» ، فمحله : الجر ، أو : من قوله : «الفاسقون» ، فمحله : النصب ؛ لأنه بعد موجب تام.
يقول الحق جل جلاله ، فى بيان شأن العفائف ، بعد بيان شأن الزواني : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ) أي : يقذفون بالزنا (الْمُحْصَناتِ) ؛ الحرائر العفائف المسلمات المكلفات ، بأن يقول : يا زانية ، أو : يا محبة ، ولا فرق بين التصريح والتعريض ، ولا بين النساء والرجال ، قاذفا أو مقذوفا. والتعبير بالرمي ، المنبئ عن صلابة الآلة ، وإيلام المرمى ، وبعده عن الرامي ؛ إيذان بشدة تأثيره فيهن ، وكونه رجما بالغيب. والتعبير بالإحصان يدل على أن رميهن إنما كان بالزنا ، لا غير.
__________________
(١) من الآية ٥٨ من سورة الأعراف.
(٢) أخرجه الشهاب القضاعي ، فى مسنده (٩٥٧) ، والديلمي (الفردوس ح ١٥٣٧) عن أبى سعيد الخدري. قال العجلونى ، فى كشف الخفاء (١ / ٢٧٢) : قال ابن عدى : تفرد به الواقدي ، وذكره أبو عبيد فى الغريب. ورواه الدار قطنى فى الأفراد ، وقال : لا يصح من وجه.
(٣) أخرجه بلفظ : «تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء» : ابن ماجة فى (النكاح ، باب الأكفاء ، ١ / ٦٣٣ ، ح ١٩٦٨) ، والبيهقي فى السنن (٧ / ١٣٣) ، والدارقطني فى السنن (٢ / ٢٩٨) ، من حديث السيدة عائشة رضى الله عنها. وأخرجه بلفظ المفسر : ابن عدى فى الكامل (٢ / ٦١٤) ، والبغدادي فى تاريخ بغداد (١ / ٢٦٤) ، وانظر كشف الخفا (١ / ٣٠٢).