بِهِ خَبِيراً) أي : سل عنه رجلا عارفا خبيرا به ، يخبرك برحمانيته. وكانوا ينكرون اسم الرحمن ، ويقولون : لا نعرف الرحمن إلا الذي باليمامة ، يعنون : مسليمة الكذاب ، وكان يقال له : رحمن اليمامة ، ؛ غلوّا فيه ، فأمر نبيه أن يسأل من له خبرة وعلم بالكتب المتقدمة عن اسم الرحمن ، فإنه مذكور فى الكتب المتقدمة.
قال شيخ شيوخنا سيدى عبد الرحمن العارف : والظاهر : أن الخبير هو الله ، أي : اسأل الله الخبير بالأشياء ، الأعلم بخفاياها ، والتقدير : فسل بسؤالك إياه خبيرا. وإنما استظهرنا هذا القول ؛ لأن المأمور بالسؤال الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وتجلّ رتبته عن سؤال غير ربه. والمراد : فسل الله الخبير بالرحمن ووصفه. انظر تمام كلامه.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) أي : إذا قال محمد للمشركين : (اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ) ؛ صلّوا له ، أو : اخضعوا ، (قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) أي : لا نعرف الرحمن فنسجد له ، قالوا ذلك : إما لأنهم ما كانوا يطلقونه على الله تعالى ، أو لأنهم ظنوا أن المراد به غيره تعالى. (أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) أي : للذى تأمرنا بالسجود له ، أو لأمرك بالسجود له من غير علم منا به. وهو منهم عناد ؛ لأن معناه فى اللغة : ذو الرحمة التي لا غاية لها ؛ لأن فعلان يدل على المبالغة ، وهم من أهل اللغة. (وَزادَهُمْ نُفُوراً) أي : زادهم الأمر بالسجود للرحمن تباعدا عن الإيمان ونفورا عنه. وبالله التوفيق.
الإشارة : قد تقدم الكلام على التوكل فى مواضع. وللقشيرى هنا كلام ، وملخصه باختصار : أن التوكل : تفويض الأمر إلى الله سبحانه ، وأصله : علم العبد بأنّ الحادثات كلّها حاصلة من الله ، ولا يقدر أحد على إيجاد شىء أو دفعه ، فإذا عرف العبد هذا ، وعلم أن المراد الله لا يرتفع ولا يدفع ، حصل له التوكل. وهذا القدر فرض ، وهو من شرائط الإيمان ، قال الله تعالى : (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١) ، وما زاد على هذا القدر ؛ من سكون القلب ، وطمأنيته ، وزوال الانزعاج والاضطراب ، فهو من أحوال التوكل ومقاماته.
فالناس فى الاكتفاء والسكون على أقسام ودرجات ، فأول رتبة فيه : أن يكتفى بما فى يده ، ولا يطلب الزيادة عليه ، ويستريح قلبه من طلب الزيادة. وتسمى هذه الحالة : القناعة ، فيقنع بالحاصل ، ولا يستزيد ما ليس بحاصل ـ يعنى : مع وجود الأسباب ـ ثم بعد هذا سكون القلب فى حال عدم الأسباب ، وهو مقام التجريد ، وهم متباينون فى الرتبة : واحد يكتفى بوعده ؛ لأنه صدّقه فى ضمانه ، فسكن قلبه عند فقد الأسباب ؛ ثقة منه بوعد ربه ، وقد قيل : إن التوكل : سكون القلب بضمان الربّ ، ويقال : سكون الجأش فى طلب المعاش ، ويقال : الاكتفاء بوعده عند عدم نقده.
__________________
(١) من الآية ٢٣ من سورة المائدة.