يقول الحق جل جلاله : (تَبارَكَ) أي : تعاظم (الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) وهى البروج الإثنا عشر : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدى ، والدلو ، والحوت. وهى منازل الكواكب السبعة السيارة ، لكل كوكب بيتان ، يقوى حاله فيهما ، وللشمس بيت ، وللقمر بيت ، فالحمل والعقرب بيتا المريخ ، والثور والميزان بيتا الزهرة ، والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد ، والسرطان بيت القمر ، والأسد بيت الشمس ، والقوس والحوت بيتا المشترى ، والجدى والدلو بيتا زحل. وهذه البروج مقسومة على الطبائع الأربع ليصيب كل واحدة منها ثلاثة بروج ، فالحمل والأسد والقوس مثلثة نارية ، والثور والسنبلة والجدى مثلثة أرضية ، والجوزاء والميزان والدلو مثلثة هوائية ، والسرطان والعقرب والحوت مثلثة مائية. سميت بالبروج التي هى القصور العالية ؛ لأنها ، لهذه الكواكب ، كالمنازل الرفيعة لسكانها. واعتبر بزيادة البحر عند زيادة القمر ونقصه عند نقصه ، فإن بيت القمر ـ وهو السرطان ـ مائى ، وذلك من إمداد الأسماء لا بالطبع. وتذكر : «وبالاسم الذي وضعته على الليل فأظلم ..» إلخ. قاله فى الحاشية.
واشتقاق البروج من التبرج ، الذي هو الظهور ؛ لظهورها ، ولذلك قال الحسن وقتادة ومجاهد : البروج : النجوم الكبار ؛ لظهورها.
(وَجَعَلَ فِيها سِراجاً) أي : الشمس ، لقوله تعالى : (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) (١). وقرأ الأخوان : «سرجا». ويراد : النجوم الكبار والشمس ، (وَقَمَراً مُنِيراً) أي : مضيئا بالليل.
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) أي : ذو خلفة ؛ يخلف كل واحد منهما الآخر ، بأن يقوم مقامه ، فيما ينبغى أن يعمل فيه ، فمن فاته عمله فى أحدهما قضاه فى الآخر. قال قتادة : فأروا الله تعالى من أعمالكم خيرا فى هذا الليل والنهار ، فإنهما مطيتان تقحمان الناس إلى آجالهم ، تقربان كل بعيد ، وتبليان كل جديد ، وتجيئان بكل موعود. وقال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : فاتتنى الصلاة الليلة ، فقال : أدرك ما فاتك من ليلتك فى نهارك ، فإن الله تعالى جعل الليل والنهار خلفة (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ). ه (٢). أي : يتذكر آلاء الله ـ عزوجل ـ ، ويتفكر فى بدائع صنعه ، [فيعلم] (٣) أنه لا بد له من صانع حكيم. وقرأ حمزة وخلف : «يذكر» أي : يذكر الله فى قضاء ما فاته فى أحدهما ، (أَوْ أَرادَ شُكُوراً) أي : شكر نعمة ربه عليه فيهما ، فيجتهد فى عمارتها بالطاعة ؛ شكرا. وبالله التوفيق.
الإشارة : تبارك الذي جعل فى سماء القلوب أو الأرواح بروجا ؛ منازل ينزلها السائر ، ثم يرحل عنها ، وهى مقامات اليقين ؛ كالخوف ، والرجاء ، والورع ، والزهد ، والصبر ، والشكر ، والرضا ، والتسليم ، والمحبة ، والمراقبة ،
__________________
(١) الآية ١٦ من سورة نوح.
(٢) أخرج الطبري (١٩ / ٣٠) عن شقيق.
(٣) فى الأصول : [فيهم]. والمثبت : من تفسير البيضاوي وأبى السعود.