قلت : (يضاعف) و (يخلد) : بدل من (يلق) ؛ بدل كل من كل ، عند الأزهرى ؛ لأن لقىّ الآثام هى مضاعفة العذاب ، وبدل اشتمال ، عند المرادي. ومن رفعهما : فعلى الاستئناف.
يقول الحق جل جلاله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي : ما ذكر ، كما هو دأب الكفرة المذكورين ، (يَلْقَ) فى الآخرة (أَثاماً) ؛ وهو جزاء الآثام ، كالوبال والنكال ؛ وزنا ومعنى ، (يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أضعافا كثيرة ، كما يضاعف للمومنين جزاء أعمالهم كذلك ، (وَيَخْلُدْ فِيهِ) أي : فى ذلك العذاب المضاعف ، (مُهاناً) ؛ ذليلا حقيرا ، جامعا للعذاب الجسماني والروحاني.
(إِلَّا مَنْ تابَ) من الشرك ، (وَآمَنَ) بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، (وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) بعد توبته (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) أي : يوفقهم للمحاسن بعد القبائح ، فيوفقهم للإيمان بعد الشرك ، ولقتل الكافر بعد قتل المؤمن ، وللعفة بعد الزنا ، أو : يمحوها بالتوبة ، ويثبت مكانها الحسنات. ولم يرد أن السيئة بعينها تصير حسنة ، ولكن يمحوها ويعوض منها حسنة. وعنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ليتمنّينّ أقوام أنهم أكثروا من السيئات ، قيل : من؟ قال : الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات» (١). (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) للسيئات ، (رَحِيماً) يبدّلها حسنات.
(وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً) أي : ومن تاب ، وحقق التوبة بالعمل الصالح ، فإنه بذلك تائب إلى الله متابا مرضيا مكفرا للخطايا. وسبب نزول الآية : أن ناسا من المشركين قتلوا فأكثروا ، وزنوا فأكثروا ، ثم أتوا النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : إن الذي تدعو إليه لحسن لو تخبرنا أنّ لما عملناه كفّارة. فنزلت : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ...) إلى قوله : (إِلَّا مَنْ تابَ ..) إلخ (٢). والظاهر أن توبة قاتل النفس بغير حق مقبولة ؛ لعموم قوله : (إِلَّا مَنْ تابَ) ، وهو قول الجمهور. وقيل : إن هذه منسوخة بآية النساء ، وهو ضعيف. والله تعالى أعلم.
الإشارة : من قنع من نفسه بمجرد الإسلام والإيمان ، ولم تنهضه نفسه إلى التشوف لمقام الإحسان ، لا بد أن يلحقه الندم وضرب من الهوان ، ولو دخل فسيح الجنان ؛ لتخلفه عن أهل القرب والوصال ، وفى ذلك يقول الشاعر :
من فاته منك وصل حظّه النّدم |
|
ومن تكن همّه تسمو به الهمم |
ثم ذكر نوعا من الأبرار ، فقال :
(وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢) وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (٧٣) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ
__________________
(١) أخرجه الحاكم فى المستدرك (٤ / ٢٥٢) عن أبى هريرة رضي الله عنه ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي.
(٢) أخرجه بلفظه مسلم فى (الإيمان ، باب : كون الإسلام يهدم ما قبه ، ١ / ١١٣ ح ١٩٣) ، وبنحوه أخرجه البخاري فى (تفسير سورة الفرقان) من حديث سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه.