الإشارة : طسم ، الطاء تشير إلى طهارة سره ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، والسين تشير إلى سيادة قدره ، والميم إلى مجادة أمره ، وهذا بداية الشرف ونهايته. أو : الطاء تشير إلى التنزيه للقلب ، من حيث هو ، والتطهير. والسين تشير إلى تحليته بالسر الكبير ، والميم تشير إلى تصرفه فى الملك والملكوت بإذن العلى الكبير. وهذه بداية السير ونهايتة ، فيكون حيئذ عارفا بالله ، خليفة رسول الله فى العودة إلى الله ، فإن حرص على هداية الخلق فيقال له : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) ، فلو شاء ربك لهدى الناس جميعا ، ولا يزالون مختلفين ، (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ). وبالله التوفيق.
ثم ذكر دلائل قدرته على ما ذكر ، فقال :
(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩))
قلت : الهمزة : للإنكار التوبيخي ، والواو : للعطف على مقدر يقتضيه المقام ، أي : أفعلوا ما فعلوا من الإعراض والتكذيب ، ولم ينظروا إلى عجائب الأرض .. إلخ. و (كم) : خبرية منصوبة بما بعدها على المفعولية.
يقول الحق جل جلاله : (أَوَلَمْ يَرَوْا) أي : ينظروا (إِلَى) عجائب (الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) ؛ أي : من كل صنف محمود كثير المنفعة ، يأكل منه الناس والأنعام. وتخصيص النبات بالذكر ، دون ماعداه من الأصناف ؛ لاختصاصه بالدلالة على القدرة والنعمة معا. ويحتمل أن يراد به جميع أصناف النبات ؛ نافعها وضارها ، ويكون وصف الكل بالكرم ؛ للتنبيه على أنه تعالى ما أنبت شيئا إلا وفيه فائدة ، إما وحده ، أو بانضمامه إلى غيره ، كما نطق به قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (١) ؛ فإن الحكيم لا يكاد يفعل فعلا إلا وفيه حكمة بالغة ، وإن غفل عنه الغافلون ، ولم يتوصل إلى معرفة كنهه العاقلون. وفائدة الجمع بين كلمتى الكثرة والإحاطة ، وهما «كم» و «كلّ» ؛ أنّ كلمة «كلّ» تدل على الإحاطة بأزواج النبات ؛ على سبيل التفصيل ، و «كم» تدل على أنّ هذا المحاط متكاثر ، مفرط الكثرة ، وبه نبّه على كمال قدرته.
(إِنَّ فِي ذلِكَ) الإنبات ، أو : كل صنف من تلك الأصناف (لَآيَةً) عظيمة دالة على كمال قدرته ، وسعة علمه وحكمته ، ونهاية رحمته الموجبة للإيمان ، الوازعة عن الكفر والطغيان. (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ) أي : أكثر قومه ـ عليه الصلاة والسلام ـ (مُؤْمِنِينَ) فى علم الله تعالى وقضائه ، حيث علم أنهم سيصرفون عنه ، ولا يتدبرون فى هذه الآيات العظام. وقال سيبويه : «كان» : صلة ، والمعنى : وما أكثرهم مؤمنين ، وهو الأنسب بمقام
__________________
(١) من الآية ٢٩ من سورة البقرة.