يكون بمعنى المرسل وبمعنى الرسالة ، فيكون مصدرا ، فجعل ثمّة بمعنى المرسل فثنى ، وجعل هنا بمعنى الرسالة ، فسوّى فى الوصف به الواحد والتثنية والجمع ، كما تقول : رجل عدل ، ورجلان عدل ، ورجال عدل ؛ لاتحادهما فى شريعة واحدة ، كأنهما رسول واحد. قلت : والنكتة فى إفراد هذا وتثنية الآخر ؛ أن الخطاب فى سورة طه توجه أول القصة إليهما معا بقوله : (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ) فجرى فى آخر القصة على ما افتتحت به ، وهنا توجه الخطاب فى أولها إلى موسى وحده ، بقوله : (وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، فجرى على ما افتتح به القصة من الإفراد. والله تعالى أعلم.
(أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) ، «أن» مفسرة ؛ لتضمن الإرسال المفهوم من الرسول معنى القول ، أي : خلّ بنى إسرائيل تذهب معنا إلى الشام ، وكان مسكنهم بفلسطين منه ، قبل انتقالهم مع يعقوب عليهالسلام إلى مصر ، فى زمن يوسف عليهالسلام. والله تعالى أعلم.
الإشارة : من كان أهلا للوعظ والتذكير لا ينبغى أن يتأخر عنه خوف التكذيب ولا خوف الإذاية ، فإن الله معه بالحفظ والرعاية. نعم ؛ إن طلب المعين فلا بأس ، فإن أبهة الجماعة ، فى حال الإقبال على من يعظمهم ، أقوى فى إدخال الهيبة والروع فى قلوبهم ، ونور الجماعة أقوى من نور الواحد. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر جواب فرعون ومجادلته ، فقال :
(قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢) قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩))