فى أهل السموات : إن الله يحب فلانا فأحبّوه ، فيحبّه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول فى الأرض» (١). أو كما قال صلىاللهعليهوسلم.
وقوله تعالى : (وَاغْفِرْ لِأَبِي ..) إلخ. قال القشيري : هذا عند العلماء : إنما قاله قبل يأسه من إيمانه ، وعن أهل الإشارة : ذكر فى وقت غلبة البسط ، وتجاوز ذلك عنه ، وليس إجابة العبد واجبة عليه فى كل شىء ، وأكثر ما فيه : أنه لا يجيبه فى ذلك ، ثم لهم أسوة فى ذكر أمثال هذا الخطاب ، وهذا لا يهتدى إليه كلّ أحد. ه.
قال المحشى : وينظر لما قاله العلماء ، وبه الفتوى ، قوله : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) (٢) ، وينظر للسان الإشارة شفاعته له يوم القيامة ، وتكلمه فيه بقوله : (وأىّ خزى أعظم من كون أبى فى النار ..) الحديث ، وكذا قوله : (وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣) ، وجاء ذلك من استغراقه فى بحر الرحمة ، على سعة العلم ، ومثله استغفار نبينا صلىاللهعليهوسلم لابن أبىّ ، وصلاته عليه ، وانظر الطيبي فى آية : (وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) (٤). ه.
وقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) ، أظهر ما قيل فى القلب السليم : أنه السالم من الشكوك والأوهام ، والخواطر الردية ، ومن الأمراض القلبية ، ولا يتحقق له هذا إلا بصحبة شيخ كامل ، يخرجه من الأوصاف البشرية ، إلى الأوصاف الروحانية ، ويحققه بالحضرة القدسية ، وإلا بقي مريضا ، حتى يلقى الله بقلب سقيم. وفى الإحياء : السعادة منوطة بسلامة القلب من عوارض الدنيا ، والجود بالمال من عوارض الدنيا ، فشرط القلب أن يكون سليما بينهما ، أي : لا يكون ملتفتا إلى المال ، ولا يكون حريصا على إمساكه ، ولا حريصا على إنفاقه ؛ فإن الحريص على الإنفاق مصروف القلب إلى الإنفاق ، كما أن الحريص على الإمساك مصروف القلب إلى الإمساك. وكان كمال القلب أن يصفو من الوصفين جميعا. وقال الداراني : القلب السليم هو الذي ليس فيه غير الله تعالى. ه. وقال الجنيد رضي الله عنه : السليم فى اللغة : اللديغ ، فمعناه : كاللديغ من خوف الله تعالى. ه. وبالله التوفيق.
ثم ذكر هول ذلك اليوم ، فقال :
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ
__________________
(١) أخرجه البخاري فى (الأدب ، باب المقة «المحبة» من الله ح ٦٦٤٠) ومسلم فى (البر والصلة ، باب إذا أحب الله عبدا حبّبه إلى عباده ، ٤ / ٢٠٣٠ ، ح ٢٦٣٧) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.
(٢) من الآية ١١٤ من سورة التوبة.
(٣) من الآية ٣٦ من سورة إبراهيم.
(٤) من الآية ٧ من سورة غافر.