(٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٩٨) وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (٩٩) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٠٤))
قلت : (وأزلفت) : عطف على (ينفع) ، وصيغة الماضي فيها وفيما بعدها ؛ لتحقق الوقوع.
يقول الحق جل جلاله ، فى شأن اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون : (وَأُزْلِفَتِ) أي : قربت (الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) ، أي : تزلف من موقف السعداء ، فينظرون إليها ، (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) : أظهرت ، حتى يكاد يأخذهم لهبها ، (لِلْغاوِينَ) : للكافرين ، (وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ) بدفع العذاب عنكم ، (أَوْ يَنْتَصِرُونَ) بدفعه عن أنفسهم ، يوبّخون على إشراكهم ، فيقال لهم : أين آلهتكم التي عبدتموها ، هل ينفعونكم اليوم بنصرتهم لكم؟ أو : هل ينفعون أنفسهم بانتصارهم لها؟ كلا ، بل هم وآلهتهم وقود النار ، كما قال تعالى :
(فَكُبْكِبُوا فِيها) أي : ألقوا فى الجحيم على وجوههم ، مرة بعد أخرى ، إلى أن يستقروا فى قعرها. وفى القاموس : كبّه : قلبه وصرعه ، كأكبه وكبكبه. ه. أي : صرعوا ؛ منكبين فى الجحيم على وجوههم ، (هُمْ) أي : آلهتهم (وَالْغاوُونَ) أي : الذين كانوا يعبدونهم.
وفى تأخير ذكرهم عن ذكر آلهتهم رمز إلى أنهم مؤخّرون عنها فى الكبكبة ؛ ليشاهدوا سوء حالها ، فيزدادوا غما على غم ، (وَجُنُودُ إِبْلِيسَ) أي : يكبكبون معهم (أَجْمَعُونَ) ، وهم شياطينه الذين كانوا يقوونهم ويوسوسونهم ، ويسوّلون لهم ما هم عليه من عبادة الأصنام ، وسائر فنون الكفر والمعاصي ، أو : متبعوه من عصاة الجن والإنس ؛ ليجتمعوا فى العذاب ، حسبما كانوا مجتمعين فيما يوجبه.
(قالُوا) أي : العبدة (وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ) أي : قالوا معترفين بخطائهم فى انهماكهم فى الضلالة ؛ متحسرين ، والحال : أنهم فى الجحيم بصدد الاختصام مع من معهم من المذكورين ، فيجوز أن ينطق الله الأصنام ، حتى يصح منها التخاصم والتقاول ، ويجوز أن يجرى ذلك بين العصاة والشياطين.
قالوا : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي : إن الشأن كنا فى ضلال واضح ، لا خفاء فيه ، (إِذْ نُسَوِّيكُمْ) ؛ نعدلكم (بِرَبِّ الْعالَمِينَ) فنعبدكم معه ، أي : تالله لقد كنا فى ضلال فاحش وقت تسويتنا إياكم أيها الأصنام ، فى استحقاق العبادة ، برب العالمين ، الذي أنتم أدنى مخلوقاته ، وأذلهم وأعجزهم ، (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) أي :