فى البعد من الناس أنس. والضفدع تقول : سبحان ربى القدوس. والبازي (١) يقول : سبحان ربى وبحمده ، المذكور فى كل مكان. والدراج (٢) يقول : الرحمن على العرش استوى. والقنب (٣) يقول : إلهى ؛ العن مبغض آل محمد ، عليه الصلاة والسلام (٤).
وقيل : إن سليمان كان يفهم صوت الحيوانات كلها ، وإنما خصّ الطير ؛ لأنه معظم جنده.
ثم قال : (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) أي : ما نحتاج إليه. والمراد به كثرة ما أوتى ، كما تقول : فلان يقصده كل أحد ، ويعلم كل شىء ، كناية عن كثرة علمه. (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ) والإحسان من الله تعالى (الْمُبِينُ) أي : الواضح ، الذي لا يخفى على أحد ، أو : إن هذا الفضل الذي أوتيته هو الفضل المبين. على أنه عليهالسلام قاله على سبيل الشكر والمحمدة. كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أنا سيّد ولد آدم ولا فخر» أي : أقول هذا القول شكرا ، لا فخرا ، والنون فى (علمنا) و (أوتينا) نون الواحد المطاع ، وكان حينئذ ملكا ، فكلم أهل طاعته على الحالة التي كان عليها ، وليس فيه تكبر ولا فخر ؛ لعصمة الأنبياء من ذلك. والله تعالى أعلم.
الإشارة : أشرف العلوم وأعظمها وأعزها العلم بالله ، على سبيل الذوق والكشف والوجدان ، ولا يكون إلا من طريق التربية على يد شيخ كامل ؛ لأنه إذا حصل هذا العلم أغنى عن العلوم كلها ، وصغرت فى جانبه ، حتى إن صاحب العلم بالله يعد الاشتغال بطلب علم الرسوم بطالة وانحطاطا ، ومثله كمن عنده قناطير من الفضة ، ثم وجد جبلا من الإكسير ، فهل يلتفت صاحب الإكسير إلى الفضة أو الفلوس؟ لأن من كانت أوقاته كلها مشاهدة ونظرا لوجه الملك ، كيف يلتفت إلى شىء سواه. ولذلك قال الجنيد رضي الله عنه : لو نعلم تحت أديم السماء أشرف من هذا العلم ، الذي نتكلم فيه مع أصحابنا ، لسعيت إليه. ه. وقال شيخ شيوخنا ، سيدى عبد الرحمن العارف : كنت أعرف أربعة عشر علما ، فلما أدركت علم الحقيقة ، سرطت ذلك كله ، ولم يبق إلا التفسير والحديث ، نتكلم فيه مع أصحابنا. أو قريبا من هذا الكلام. وقال شيخ شيوخنا ، سيدى عبد الرحمن المجذوب رضي الله عنه :
أقارئين علم التوحيد |
|
هنا البحور إلىّ تنبى |
هذا مقام أهل التجريد |
|
الواقفين مع ربى |
وهذا أمر بيّن عند أهل هذا الفن ، وقال الورتجبي : العلم علمان : علم البيان وعلم العيان. علم البيان ما يكون بالوسائط الشرعية ، وعلم العيان مستفاد من الكشوفات الغيبية. ثم قال : فالعلم البياني معروف بين العموم ، والعلم
__________________
(١) البازي : ضرب من الصقور ، وهو أشد الجوارح تكبرا ، وأضيقها خلقا ، ويؤخذ للصيد.
(٢) الدرّاج : طائر جميل المنظر ملون الريش.
(٣) القنبر : صرب من الطبر. انظر اللسان (٥ / ٣٥١٠ ، مادة : قبر).
(٤) ذكر نحوه البغوي فى تفسيره (٦ / ١٤٨) عن كعب. وقال محققه ، فى الحاشية : وهذه التفصيلات فى كلام الطير متلقاة من أهل الكتاب ، كرواية كعب هذه ، ولا يتوقف فهم الآية عليها ، وليس فيها نص صحيح ، مرفوع إلى النبي صلىاللهعليهوسلم.