(فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً) ، معجبا (مِنْ قَوْلِها) ومن حذرها ، واهتدائها لمصالحها ، ونصحها للنمل ، وفرحا بظهور عدله. والتبسم : ابتداء الضحك ، وأكثر ضحك الأنبياء التبسّم ، أي : فتبسم ابتداء ، ضاحكا انتهاء. (وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) ، الإيزاع فى الأصل : الكف ، أي : كفّنى عن كل شىء إلا عن شكر نعمتك ، ويطلق على الإلهام ، أي : ألهمنى (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ) من النبوة والملك والعلم ، (وَعَلى والِدَيَ) ؛ لأن الإنعام على الوالدين إنعام على الولد ، (وَ) ألهمنى (أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) فى بقية عمرى ، (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ) أي : وأدخلنى الجنة برحمتك ، لا بصالح عملى ؛ إذ لا يدخل الجنة إلا برحمتك ، كما فى الحديث. (فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) أي : فى جملة أنبيائك المرسلين ، الذين صلحوا لحضرتك. أو : مع عبادك الصالحين. روى أن النملة أحست بصوت الجنود ، ولم تعلم أنهم فى الهواء ، فأمر سليمان عليهالسلام الريح ، فوقفت ؛ لئلا يذعرن ، حتى دخلن مساكنهن ، ثم دعا بالدعوة. قاله النسفي.
الإشارة : من أقبل بكليته على مولاه ، وأطاعه فى كل شىء ، سخرت له الأكوان ، وأطاعته فى كل شىء. ومن أعرض عن مولاه أعرض عنه كلّ شىء ، وصعب عليه كلّ شىء. «أنت مع الأكون ما لم تشهد المكون ، فإذا شهدته كانت الأكوان معك». فإذا سخرت له الأشياء ، وزهد فيها ، وأعرض عنها ، واختار مقام العبودية ، ارتفع قدره ، ولم ينقص منه شيئا ، كحال نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ. ومن سخرت له الأشياء ، ونظر إليها ، انتقص قدره ، وإن كان كريما على الله ، ولذلك ورد فى الخبر أن سليمان عليهالسلام : هو آخر من يدخل الجنة من الأنبياء. ذكره فى القوت.
وذكر فيه أيضا : أن سليمان عليهالسلام لبس ذات يوم ثيابا رفيعة ، ثم ركب على سريره ، فحملته الريح ، وسارت به ، فنظر إلى عطفيه نظرة ، فأنزلته إلى الأرض ، فقال لها : لم أنزلتنى ولم آمرك؟ فقالت له : نطيعك إذا أطعت الله ، ونعصيك إذا عصيته. فاستغفر وتاب ، فحملته. وهذا مما يعتب على المقربين ؛ لكبر مقامهم ، فكل نعيم فى الدنيا ينقض فى الآخرة. والله تعالى أعلم.
ثم قال تعالى :
(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ