غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦))
يقول الحق جل جلاله : (وَتَفَقَّدَ) سليمان (الطَّيْرَ) أي : تعرف أحوال الطير تعرف الملك لمملكته ، حسبما تقتضيه عناية الملك بمملكته ، والاهتمام بكل جزء منها ، أو : تفقده لمعرفته بالماء ، أو : لغير ذلك على ما يأتى. فلما تفقده لم ير الهدهد فيما بينها. والتفقد : طلب ما غاب عنك. (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) أساتر ستره؟ (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) ، و «أم» : بمعنى «بل» ، كأنه قال : مالى لا أراه؟ ثم بدا له أنه غائب ، فأضرب عنه ، وقال : بل هو من الغائبين.
(لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) ، قيل : كان عذابه للطير : نتفه ريشه وتشميسه ، أو : يجعله مع أضداده فى قفص ، أو : بالتفريق بينه وبين إلفه. وعن بعضهم : أضيق السجون معاشرة الأضداد ، ومفارقة الأحباب. أو : نتفه ، وطرحه بين يدى النحل تلدغه ، أو : النمل تأكله. وحلّ له تعذيب الهدهد لينزجر غيره ، ولما سخرت له الحيوانات ـ ولا يتم التسخير إلا بالتأديب ـ حلّ له التأديب.
(أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) ؛ ليعتبر به أبناء جنسه ، (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) ؛ بحجة تبين عذره ، والحلف فى الحقيقة على أحد الأمرين ، على تقدير عدم الثالث. قال بعضهم : وسبب طلبته للهدهد ، لإخلاله بالنوبة التي كان ينوبها. وقيل : كانت الطير تظله ، فأصابته لمعة من الشمس ، فنظر ، فرأى موضع الهدهد خاليا ، فتفقده ، وقيل : احتاج إلى الماء ، وكان علم ذلك إلى الهدهد ، فتفقده ، فلم يجده ، فتوعده.
والسبب فيه : أن سليمان عليهالسلام لمّا فرغ من بناء بيت المقدس ، عزم على الخروج إلى أرض الحرم ، للحج ، فتجهز للمسير ، وخرج بجنوده ـ كما تقدم ـ فبلغ الحرم ، وأقام به ، وكان ينحر كل يوم بمكة خمسة آلاف ناقة ، ويذبح خمسة آلاف ثور ، وعشرين ألف شاة ، قربانا. وقال : إن هذا مكان يخرج منه نبى عزيز ، صفته كذا وكذا ، يعطى النصر على جميع من ناوأه ، وتبلغ هيبته مسيرة شهر ، القريب والبعيد فى الحق عنده سواء ، لا تأخذه فى الله