لومة لائم ، دينه دين الحنيفية ، فطوبى لمن أدركه وآمن به ، وبيننا وبين خروجه زهاء ألف عام. ثم قضى نسكه ، وخرج نحو اليمن صباحا ، يؤم سهيلا ، فوافى صنعاء وقت الزوال ، وذلك مسيرة شهر ، فرأى أرضا حسناء ، تزهو خضرتها ، فأحب النزول بها ؛ ليصلى ، ويتغذى ، فطلبوا الماء فلم يجدوه ، وكان الهدهد دليله على الماء ، كان يرى الماء من تحت الأرض ، كما نرى الماء فى الزجاجة ، فينقر الأرض فتجىء الشياطين يستخرجونه. وبحث فيه القشيري بأن الهدهد متعدد فى عسكره ، إذا فقدوا واحدا بقي آخر ، قال : اللهم إلا أن يكون ذلك الواحد مخصوصا بمعرفة ذلك ، والله أعلم. ه.
قال سعيد بن جبير : لما ذكر ابن عباس هذا الحديث : قال له نافع بن الأزرق : كيف ينظر الماء تحت الأرض ، ولا يبصر الفخ حتى يقع فيه؟ قال ابن عباس : ويحك إذا جاء القدر حال دون البصر. ه. قلت : ونافع هذا هو رأس الخوارج والمعتزلة.
فلما نزل سليمان ، قال الهدهد : إن سليمان قد اشتغل بالنزول ، فارتفع نحو السماء ، ونظر طول الدنيا وعرضها ، ونظر يمينا وشمالا ، فرأى بستانا لبلقيس فيه هدهد. وكان اسم هدهد سليمان «يعفور» واسم هدهد اليمن «عنفير». فقال هدهد اليمن لهدهد سليمان : من أين أقبلت وأين تريد؟ قال : أقبلت من الشام ، مع صاحبى سليمان بن داود ، قال : ومن سليمان؟ قال : ملك الجن والإنس والشياطين والطير والوحوش والرياح ، فمن أين أنت؟ قال من هذه البلد ، ملكها امرأة ، يقال لها «بلقيس» تحت يديها اثنا عشر ألف قائد ، تحت يد كل قائد مائة ألف مقاتل. فانطلق معه ، ونظر إلى بلقيس وملكها ، ورجع إلى سليمان وقت العصر. وكان سليمان قد فقده وقت الصلاة ، فلم يجده ، وكان على غير ماء.
قال ابن عباس : فدعا عريف الطير ـ وهو النسر ـ فسأله؟ ، فقال : ما أدرى أين هو ، فغضب سليمان وقال : (لأعذبنه ...) إلخ ، ثم دعا بالعقاب ، سيد الطير ، فقال : علىّ بالهدهد الساعة ، فرفع العقاب نفسه نحو السماء ، حتى التزق بالهواء ، فنظر إلى الدنيا كالقصعة بين يدى أحدكم ، فإذا هو بالهدهد مقبلا من نحو اليمن ، فانقضّ نحوه ، فقال له الهدهد : بحق الحق الذي قوّاك إلا ما رحمتنى ، فقال : ويلك ، إن نبى الله حلف أن يعذبك ويذبحك. ثم تلقته النسور والطير فى العسكر ، وقالوا له : لقد توعدك نبىّ الله. قال : أو ما استثنى؟ قالت : بلى ، قال : (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ). ثم دخل على سليمان ، فرفع رأسه ، وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض ، تواضعا لله ولسليمان ، فقال سليمان : أين كنت؟ لأعذبنّك ... فلما دنا منه أخذ سليمان برأسه ، فمده إليه ، فقال له الهدهد : يا نبى الله ؛ اذكر وقوفك بين يدى الله تعالى ، بمنزلة وقوفى بين يديك ، فارتعد سليمان وعفا عنه (١). وقال عكرمة : إنما صرف سليمان عن ذبح الهدهد لبره بوالديه ، كان يلتقط الطعام ثم يزقه لهما.
__________________
(١) هذه الأخبار ذكرها البغوي فى تفسيره (٦ / ١٥٤) وغيره من المفسرين. وهى من الأخبار التي لا سند لها.