من الكتاب ، وعرف مدلوله ومقصوده ، لكن من السياسة أن يتدرج المريد فى تركها شيئا فشيئا ، حتى يخرج عنها ، أو يغيب عن شغلها بالكلية ، وإن كانت بيده. فلما خرجوا عن عرش نفوسهم لله ، وتوجهوا إليه ، ورأى ذلك منهم ، قال : هذا من فضل ربى ، حيث وقعت الهداية على يدى ، ليبلونى ، أشكر أم أكفر .. الآية. قال نكّروا لها عرشها ، أي : اعرضوا عليها الدنيا ، وأروها عرشها التي كانت عليه ، متغيرا عن حاله الأولى ـ لأنه كان معشوقا لها ، والآن صار ممقوتا ؛ لغناها بالله ـ ننظر أتهتدي إليه ، وترجع إلى محبته ، فيكون علامة على عدم وصولها ، أم تكون من الذين لا يهتدون إليه أبدا ، فتكون قد تمكنت من الأنس بالله ، فلما جاءت وأظهر لها عرشها اختبارا ، قيل : أهكذا عرشك؟ قالت : كأنه هو ، وأوتينا العلم بالله من قبل هذه الساعة ، وكنا منقادين لمراده ، فلن نرجع إلى ما خرجنا عنه لله أبدا. وصدّها عن الحضرة ما كانت تعبد من الهوى ، من دون محبة الله ، إنها كانت من قوم كافرين ، منكرين للحضرة ، غير عارفين بها. قيل لها حين رحلت عن عرشها : ادخلى دار الحضرة ، فلما رأت بحر الوحدة ، يتموج بتيار الصفات ، دهشت ، وحسبته لجة ، يغرق صاحبه فى بحر الزندقة ، قال لها رئيس البحرية ـ وهو شيخ التربية : إنه بحر منزه متصل ، لا أول له ، ولا آخر له. ليس مثله شىء ، ولا معه شىء ، محيط بكل شىء ، وماح لكل شىء. ثم اعترفت أنها ظالمة لنفسها ، مشغولة بهواها ، قبل أن تعرف هواه ، فلما عرفته غابت عن غيره ، واستسلمت وانقادت له. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر قصة صالح عليهالسلام فقال :
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧))
قلت : (ولقد أرسلنا) : عطف على (ولقد آتينا داود ...) إلخ.
يقول الحق جل جلاله : (وَ) الله (لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ) نسبا (صالِحاً ، أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) أي : بأن اعبدوه وحده ، (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ) أي : ففاجئوا التفرق والاختصام ، ففريق مؤمن به ،