(فَأَنْجَيْناهُ) : فخلّصناه من العذاب الواقع بالقوم ، (وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها) بالتشديد والتخفيف ، أي : قدرنا أنها (مِنَ الْغابِرِينَ) ؛ الباقين فى العذاب. (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) غير معهود ؛ حجارة مكتوب عليها اسم صاحبها ، (فَساءَ) : قبح (مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) الذين لم يقبلوا الإنذار. وقد مرّ كيفية ما جرى بهم غير مرة. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ما أنكر لوط على قومه إلا غلبة الشهوة على قلوبهم ، والانهماك فى غفلتهم ، فرجعت إلى معصية القلوب ، وهى أشد من معصية الجوارح ؛ لأن معصية الجوارح إذا صحبتها التوبة والانكسار ، عادت طاعة ، بخلاف معصية القلوب ؛ فإنها تنطمس بها أنوار الغيوب ، فلا يزيد صاحبها إلا البعد والطرد ، والعياذ بالله.
ثم أمر رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم بالتحميد ، ثم بالسلام على عباده المرسلين ؛ توطئة لما يتلوه من الدلالة على وحدانيته تعالى ، وقدرته على كل شىء ، وهو تعليم لكل متكلم فى كل أمر ذى بال ، بأن يبتدئ فى خطبته بحمد الله ، والثناء على رسله ، فقال :
(قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠))
يقول الحق جل جلاله لنبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على ما أنعم به عليك من فنون النعم ، ومن جملتها : اطلاعك على أسرار علم غيوبه ، (وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) لرسالته. وقال ابن عباس وسفيان : هم أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم ، اصطفاهم بصحبته ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقال الكلبي : هم أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، اصطفاهم الله لمعرفته وطاعته. ثم قل لهم إلزاما للحجة : (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) (١) أي : آلله الذي ذكرت شئونه العظيمة خير ، أم ما تشركونه معه تعالى من الأصنام؟ ومرجع الترديد إلى التعرض بتبكيت الكفرة ، وتسفيه آرائهم الركيكة ، والتهكم بهم ؛ إذ من البيّن أن ليس فيما أشركوه به تعالى شائبة خير ، حتى يمكن أن يوازن بينه وبين من لا خير إلا خيره ، ولا إله غيره.
وكان عليه الصلاة والسلام إذا قرأها قال : «بل الله خير ، وأبقى ، وأجلّ ، وأكرم» (٢).
__________________
(١) قرأ عاصم ، وأبو عمرو ، ويعقوب : «يشركون» بالياء. وقرأ الباقون : «تشركون» بالخطاب ... انظر الإتحاف (٢ / ٣٣٢).
(٢) قال الحافظ ابن حجر : كذا ذكره الثعلبي بغير إسناد. انظر الكافي الشاف على هامش الكشاف (٣ / ٣٧٥).