(٧١) قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (٧٣))
يقول الحق جل جلاله : (قُلْ) لهم : (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) بسبب تكذيبهم للرسل ـ عليهمالسلام ـ فيما دعوهم إليه من الإيمان بالله ـ عزوجل ـ وحده ، واليوم الآخر ، الذي ينكرونه ، فإن فى مشاهدة عاقبتهم ما فيه كفاية لأولى البصائر. وفى التعبير عن المكذبين بالمجرمين ، لطف بالمسلمين ، بترك الجرائم ، وحث لهم على الفرار منها ، كقوله : (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ) (١) و (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) (٢).
ثم قال لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) أي : لأجل أنهم لم يتبعوك ، ولم يسلموا فيسلموا. (وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ) ؛ فى حرج صدر (مِمَّا يَمْكُرُونَ) ؛ من مكرهم وكيدهم ، أي : فإن الله يعصمك من الناس. يقال : ضاق ضيقا ـ بالفتح والكسر.
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) أي : وعد العذاب التي تعدنا ، إن كنت من الصادقين فى إخبارك بإتيانه على من كذّب. والجملة باعتبار شركة المؤمنين فى الإخبار بذلك. (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) أي : تبعكم ولحقكم. استعجلوا العذاب ، فقيل لهم : عسى أن يكون ردف ، أي : قرب لكم بعضه. وهو عذاب يوم بدر ، واللام زائدة للتأكيد. أو : ضمّن الفعل معنى يتعدّى باللام ، نحو : دنا لكم ، أو : أزف لكم. وعسى ولعل وسوف ، فى وعد الملوك ووعيدهم ، يدل على صدق الأمر ، وجدّه ، وعلى ذلك جرى وعد الله ، ووعيده.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) أي : إفضال وإنعام على كافة الناس. ومن جملة إنعامه : تأخير العقوبة عن هؤلاء ، بعد استعجالهم لها ، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) أي : أكثرهم لا يعرفون حق النعمة ، ولا يشكرونها ، فيستعجلون بجهلهم وقوع العذاب ، كدأب هؤلاء. والله تعالى أعلم.
الإشارة : التفكر والاعتبار من أفضل عبادة الأبرار ، ساعة منه أفضل من عبادة سبعين سنة. ومن أجلّ ما يتفكر فيه الإنسان : ما جرى على أهل الغفلة والبطالة والعصيان ، من تجرع كأس الحمام ، قبل النزوع والإقلاع عن الإجرام ، فندموا حيث لم ينفع الندم ، وقد زلّت بهم القدم ، فلا ما كانوا أمّلوا أدركوا ، ولا إلى ما فاتهم من الأعمال الصالحات رجعوا. فليعتبر الإنسان بحالتهم ، لئلا يجرى عليه ما جرى عليهم ، وليبادر بالتوبة إلى ربه ، وليشديده على أوقات عمره ، قبل أن تنقضى فى البطالة والتقصير ، فيمضى عمره سبهللا. ولله در القائل :
__________________
(١) من الآية ١٤ من سورة الشمس.
(٢) من الآية ٢٥ من سورة نوح.