الله (فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) ؛ لانقطاعهم عن الجواب بالكلية ، وابتلائهم بشغل شاغل من العذاب الأليم ، يشغلهم العذاب عن النطق والاعتذار.
ثم ذكر دلائل قدرته على البعث ، وما ينشأ بعد ذلك ، بقوله : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ) ، الرؤية هنا قلبية ، أي : ألم يعلموا أنا جعلنا الليل بما فيه من الإظلام ليستريحوا فيه بالنوم والقرار. (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي : يبصروا ، بما فيه من الإضاءة ، طرق التقلب فى أمور المعاش. وبولغ فيه ، حيث جعل الإبصار الذي هو حال الناس ، حالا له ، ووصفا من أوصافه ، بحيث لا ينفك عنها ، ولم يسلك فى الليل هذا المسلك ؛ لأن تأثير ظلام الليل فى السكون ليس بمثابة تأثير النهار فى الإبصار. قاله أبو السعود .. قلت : وقد جعله كذلك فى قوله : (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) (١) فانظره.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) كثيرة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ؛ يصدّقون ، فيعتبرون ، فإنّ من تأمل فى تعاقب الليل والنهار ، واختلافهما على وجوه بديعة ، مبنية على حكم رائقة ، تحار فى فهمها العقول ، وشاهد فى الآفاق تبدل ظلمة الليل ، المحاكية للموت ، بضياء النهار ، المضاهي للحياة ، وعاين فى نفسه غلبة النوم ، الذي هو يضاهى الموت ، وانتباهه منه ، الذي هو يضاهى البعث ، قضى بأن الساعة آتيه لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من فى القبور.
قال لقمان لابنه : يا بنى إن كنت تشك فى الموت فلا تنم ، فكما أنك تنام قهرا ؛ كذلك تموت ، وإن كنت تشك فى البعث فلا تنتبه ، فكما أنك تنتبه بعد نومك ؛ كذلك تبعث بعد موتك ه. وبالله التوفيق.
الإشارة : يوم نحشر من كل أمة فوجا ينكر على أهل الخصوصية ، ممن يكذب بآياتنا ، وهم العارفون بنا ، الدالون علينا ، المعرّفون بنا ، فهم يوزعون : يجمعون للعتاب ، حتى إذا جاءوا إلينا بقلب سقيم ، قال : أكذّبتم بأوليائى ، الدالين على حضرتى ، بعد التطهير والتهذيب ، ولم تحيطوا بهم علما ، منعكم من ذلك حب الرئاسة والجاه ، أم ماذا كنتم تعملون؟. ووقع القول عليهم بالبقاء مع عامة أهل الحجاب ، فهم لا ينطقون ، ولا يجدون اعتذارا يقبل منهم. ألم يعلموا أنهم يموتون على ما عاشوا عليه ، ويبعثون على ما ماتوا عليه ، فهلّا صحبوا أهل اليقين الكبير ، ـ وهو عين اليقين أو حق اليقين ، المستفاد من شهود الذات الأقدس ـ فيكتسبوا منهم اليقين ، حتى يموتوا على اليقين ويبعثوا على اليقين. وبالله التوفيق.
__________________
(١) من الآية ٩٦ من سورة الأنعام. وقد سار المفسر على قراءة «جاعل».