قلت : ومثلهم الأنبياء والأولياء ؛ إذ هم أعظم منهم ، وأحياء مثلهم. ثم قال عليه الصلاة والسلام : «وإنما يصل الفزع إلى الأحياء ، وهم أحياء عند ربهم يرزقون ، وقاهم الله فزع ذلك اليوم ، وهو عذاب يبعثه الله على شرار خلقه». وهو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) إلى قوله : (وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) (١) فيمكثون طويلا ، ثم يأمر الله تعالى إسرافيل ، فينفخ نفخة الصعق ، فيصعق من فى السموات ، ومن فى الأرض ، إلا من شاء الله ، فإذا اجتمعوا فى البرزخ ، جاء ملك الموت إلى الجبار ، فيقول : قد مات أهل السموات والأرض ، إلا من شئت ، فيقول الله تعالى ، وهو أعلم : من بقي؟ فيقول : بقيت أنت الحي القيوم ، الذي لا تموت ، وبقيت حملة العرش ، وبقي جبريل وميكائيل ، وإسرافيل ، وبقيت أنا ، فيقول تعالى : فليمت جبريل وميكائيل ، فينطق الله العرش ، فيقول : أىّ رب يموت جبريل ، وميكائيل! فيقول : اسكت ، إنى كتبت الموت على كل من تحت عرشى ، فيموتان. ثم يأتى ملك الموت الجبار ، فيقول : أي رب قد مات جبريل وميكائيل ، فيقول ـ وهو أعلم : من بقي؟ بقيت أنت الحي الذي لا تموت ، وبقيت حملة العرش ، وبقي إسرافيل ، وبقيت أنا. فيقول : ليمت حملة العرش ، فيموتون ، فيأمر الله العرش فيقبض الصور من إسرافيل ، ثم يقول : ليمت إسرافيل ، فيموت ، ثم يأتى ملك الموت فيقول : يا رب ؛ قد مات حملة عرشك ، فيقول ، وهو أعلم : من بقي؟ فيقول : بقيت أنت الحي الذي لا تموت ، وبقيت أنا ، فيقول : أنت خلق من خلقى ، خلقتك لما رأيت ، فمت ، فيموت. فإذا لم يبق إلا الله الواحد الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، فكان آخرا ، كما كان أولا ، طوى السماء طى السجل للكتاب ، فيقول : أنا الجبار ، (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)؟ فلا يجيبه أحد ، ثم يقول تعالى : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) ثم تبدل الأرض غير الأرض ، والسموات يبسطها بسطا ، ثم يمدها مدّ الأديم العكاظي ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا.
ثم قال : ثم ينزل ماء من تحت العرش ، كمنى الرجل ، ثم يأمر الله السحاب أن تمطر أربعين يوما ، حتى يكون فوقهم اثنى عشر ذراعا ، ويأمر الله تعالى الأجساد أن تنبت كنبات البقل ، حتى إذا تكاملت أجسادهم ، كما كانت ، قال الله تعالى : ليحيى حملة العرش ، فيحيون ، ثم يقول الله تعالى : ليحيى جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فيحيون ، ثم يأمر الله تعالى إسرافيل ، فيأخذ الصور فيضعه على فيه ، ثم يدعو الله تعالى الأرواح ، فيؤتى بها تتوهج أرواح المؤمنين نورا ، والأخرى ظلمة ، فيقبضها ، ثم يلقيها فى الصور ، ثم يأمر الله تعالى إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث ، فتخرج الأرواح ، كأنها النحل ، وقد ملأت ما بين السماء والأرض ، فيقول تعالى : لترجعن كل روح إلى جسدها ، فتدخل الأرواح الخياشيم ، ثم تمشى فى الأجساد ، مشى السم فى اللديغ ، ثم تنشق الأرض عنهم سراعا ، فأنا أول من
__________________
(١) الآيتان : ١ ـ ٢ من سورة الحج