تنشق عنه ، فتخرجون منها إلى ربكم تنسلون ، عراة ، حفاة ، غرلا ، مهطعين إلى الداعي ، فيقول الكافر : هذا يوم عسير. نقله الثعلبي (١).
ثم قال تعالى : (صُنْعَ اللهِ) ، هو مصدر مؤكد لمضمون ما قبله ، أي : صنع الله ذلك صنعا ، على أنه عبارة عما ذكر من النفخ فى الصور ، وما ترتب عليه جميعا. قصد به التنبيه على عظم شأن تلك الأفاعيل ، وتهويل أمرها ، والإيذان بأنها ليست بطريق الإخلال بنظم العالم ، وإفساد أحوال الكائنات ، من غير أن تدعو إليه داعية ، بل هى من بدائع صنع الله تعالى ، المبنية على أساس الحكمة ، المستتبعة للغايات الجليلة ، التي لأجلها رتبت مقدمات الخلق ومبادئ الإبداع ، على الوجه المتين ، والنهج الرصين ، كما يعرب عنه قوله : (الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) أي : أحكم خلقه وسوّاه ، على ما تقتضيه الحكمة.
وقوله تعالى : (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) : تعليل لكون ما ذكر صنعا محكما له تعالى ؛ لبيان أن علمه بظواهر أفعال المكلفين وبواطنها ، مما يدعو إلى إظهارها وبيان كيفياتها ، على ما هى عليه من الحسن والسوء ، وترتيب أجزيتها عليها بعد بعثهم وحشرهم.
وقوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) : بيان لما أشير إليه بإحاطة علمه تعالى بأفعالهم من ترتيب أجزيتها عليها ، أي : من جاء من أولئك الذين أوتوه بالحسنة فله خير منها ، باعتبار أنه أضعفها بعشر ، أو : باعتبار دوامه وانقضائها ، وعن ابن عباس رضي الله عنه : «الحسنة : كلمة الشهادة» (٢) (وَهُمْ) أي : الذين جاءوا بالحسنات (مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) أي : من فزع هائل ، وهو الفزع الحاصل من مشاهدة العذاب ، بعد تمام المحاسبة ، وظهور الحسنات والسيئات. وهو المراد فى قوله تعالى : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) (٣).
وقال ابن جريج : حين يذبح الموت وينادى : يا أهل الجنة ؛ خلود لا موت ، ويا أهل النار ؛ خلود لا موت. فيكون هؤلاء (مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) ، أي : يوم إذ ينفخ فى الصور وما بعده (آمِنُونَ) لا يعتريهم ذلك الفزع الهائل ، ولا يلحقهم ضرره أصلا. وأما الفزع الذي يعترى كل من السموات ومن فى الأرض ، غير ما استثناه الله تعالى ، فإنما هو التهيب والرعب الحاصل فى ابتداء النفخة ، من معاينة فنون الدواهي والأهوال ، ولا يكاد يخلو منه أحد بحكم الجبلة ، وإن كان آمنا من لحوق الضرر. قال جميعه أبو السعود.
__________________
(١) انظر تفسير البغوي (٦ / ١٨٢).
(٢) انظر تفسير الطبري (٢٠ / ٢٢).
(٣) من الآية ١٠٣ من سورة الأنبياء.