(وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) قيل : هو الشرك. (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) ، أي : كبوا فيها على وجوههم منكوسين. ويقال لهم : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فى الدنيا من الشرك والمعاصي. والله تعالى أعلم.
الإشارة : من أراد أن يكون ممن استثنى الله من الفزع والهول ، فليكن قلبه معمورا بالله ، ليس فيه غير مولاه ، ولا مقصود له فى الدارين إلا الله ، وظاهره معمورا بطاعة الله ، متمسكا بسنة رسول الله ، هواه تابع لما جاء به من عند الله ، لا شهوة له إلا ما يقضى عليه مولاه ، فبهذا ينخرط فى سلك أولياء الله ، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، والذين سبقت لهم الحسنى ، لا يحزنهم الفزع الأكبر ، وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون. جعلنا الله من خواصهم ، بمنّه وكرمه ، آمين.
وقوله تعالى : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً ...) الآية. كذلك قلوب الراسخين فى العلم بالله ، لا تؤثر فيهم هواجم الأحوال والواردات الإلهية ، بل تهزهم فى الباطن ، وظواهرهم ساكنة ، كالجبال الراسية ، قيل للجنيد : قد كنت تتواجد عند السماع ، والآن لا يتحرك فيك شىء؟ فتلى : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ).
وقوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) أي : بالخصلة الحسنة ، وهى المعرفة (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) وهو دوام النظرة والحبرة ، فى مقعد صدق عند مليك مقتدر ، (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) هى الجهل بالله ، فينكس وجهه عن مواجهة المقربين. والعياذ بالله.
ولما بلّغ الرسول صلىاللهعليهوسلم ما أمره الله من بيان عواقب الأمور ، تبرأ منهم ، فقال :
(إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣))
يقول الحق جل جلاله : قل لكفار قريش ، بعد تبيين أحوال المبعث ، وشرح أحوال القيامة ، بما لا مزيد عليه : (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ) أي : مكة ، أي : إنما أمرنى ربى أن أعبده ، واستغرق أوقاتى فى مراقبته ومشاهدته ، غير مبال بكم ، ضللتم أم رشدتم ، وما علىّ إلا البلاغ ، وقد بلغتكم وأنذرتكم. وتخصيص مكة